هل تنجح إسرائيل في تحقيق ما عجزت عنه في 2006؟
لم يستطع محلل عسكري متابع للأوضاع في سوريا
الفصل بين القبض على سفينة الأسلحة في طرابلس وبين تقرير تيري رود لارسن
حول القرار 1559. وجد في المسألتين خيوطاً أميركية تكمل ما كانت قد بدأته
وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بتحذيرها من وصول الأسلحة إلى تنظيم
«القاعدة». هكذا يصبح ما تردد عن دور استخباري أميركي في القبض على الباخرة
«لطف الله 2» أكثر من مبرر، كونها تجهل الجهة التي ستصل إليها هذه
الأسلحة، من جهة وبدأت تتوجس من تعاظم دور المجموعات السلفية سواء في سوريا
أو بلدان أخرى من جهة ثانية.
بالنسبة الى تقرير لارسن، وبعدما كان يصدر دورياً متطابقاً الى حد كبير،
مع التقرير الذي سبقه، فإن تقريره الأخير، الى مجلس الأمن الدولي في
الأسبوع الماضي، لم يتعرض هذه المرة لتهريب السلاح من سوريا إلى لبنان
حصراً، بل كان واضحاً ومباشراً في تأكيده، للمجلس، كما نقلت عنه «رويترز»
أنه «استناداً الى ما لدينا من معلومات، فإن هناك اسباباً تدعو للاعتقاد
بأنه يوجد تدفق للأسلحة في الاتجاهين كليهما.. من لبنان إلى سوريا ومن
سوريا الى لبنان».
توقف المحلل العسكري عند قول لارسن للصحافيين بعد تقديمه التقرير بأن
«ليس لدينا مراقبون مستقلون للتحقق من هذا(التهريب في الاتجاهين) لكننا
نستند في تقاريرنا إلى معلومات نتلقاها من مصادر متنوعة».
وسعياً لتوضيح هذه النقطة تحديداً، حاولت دوائر لبنانية ضيقة، الاستفسار
عن تصاعد التركيز الغربي على مسألة تهريب السلاح إلى سوريا، وفي بالها أن
لارسن لم يتراجع، كما الإدارة الأميركية عن «هدف تاريخي» يتمثل بإقفال
منافذ إمداد السلاح الى «حزب الله» وتجفيفها.
يستعيد هؤلاء أجواء حرب تموز 2006 ثم القرار 1701 وما بعده، حيث حاولت
واشنطن توسيع نطاق عمل قوات «اليونيفيل» لتشمل الحدود الشرقية والشمالية،
على اعتبار أن القرار الأممي ينص على التقيد بنـزع سلاح كل الجماعات
المـسلحة في لبنـان، إضافة إلى منع إمـدادات الأسـلحة والمعـدات ذات الـصلة
إلى لبنـان عـدا مـا تـأذن بـه حكومته.
وبعدما كان الأوروبيون أنفسهم أول الرافضين لهذا المشروع، لما له من
مخاطر جمة على قواتهم، التي ستكون مكشوفة تماماً بعكس وجودها في الجنوب
(الفارق بالأعداد ومساحة الانتشار)، تم الاتفاق على إنشاء أفواج لبنانية
تكون بمثابة حرس حدود بإشراف ألماني (تقني). أقفل الملف عند هذا الحد.
وتابع الإسرائيليون خرق الأجواء بحجة عدم تنفيذ لبنان للبند المتعلق بإيقاف
تهريب السلاح، علماً أن مصادر متعددة تؤكد أن أجهزة التنصت التي وضعت ترصد
حركة التهريب وتصل معلوماتها إلى مراكز عمليات خارجية تستطيع أن تحلل
أنواع ما ينقل بدقة.
أعادت طريقة التعامل الدولية مع مسألة تهريب السلاح إلى سوريا، إلى
الأذهان المصلحة الإسرائيلية في ضبط السلاح المتوجه إلى لبنان. من هذه
الزاوية، تتخوف المصادر من احتمال تسلل إسرائيل تحت عباءة المصلحة
الأميركية، المتقاطعة مع مصلحة أساسية للنظام السوري في حجب السلاح عن
المعارضة الخارجية والداخلية المسلحة.
لهذا تحذر المصادر من أن يصار لاحقاً إلى تعزيز عديد بعثة المراقبين في
سوريا، بحيث تضطلع بمهام تتعلق بمراقبة الحدود اللبنانية السورية منعاً
لتهريب السلاح إلى بعض المعارضة غير المنضبطة تحت العباءة الغربية وتحديداً
إلى «القاعدة». وهذا يعني تلقائياً العودة إلى تنفيذ ما شكا لارسن من
غيابه عندما قال «ليس لدينا مراقبون مستقلون للتحقق من تهريب السلاح بين
لبنان وسوريا وبالعكس». وهو ما يقود إلى تحول مهمة المراقبين الدوليين، أو
في جزء منها، إلى مراقبة تهريب السلاح إلى لبنان!
أمام هذا السيناريو، سيكون «حزب الله» أكثر المتضررين والمحرجين على
السواء، فهو لن يكون قادراً على رفض أية آلية تساهم في إراحة حليفه من
السلاح المتدفق إلى الداخل السوري، وفي الوقت نفسه، لن يكون مستعداً لإعطاء
إسرائيل ما عجزت عن تحقيقه بالحرب. ولهذا يؤكد المصدر أن المطلوب لبنانياً
الحذر من أي سعي أميركي – إسرائيلي للقيام بخطوات تستهدف المقاومة
انطلاقاً من سوريا.
في المقابل، يرفض محلل عسكري آخر احتمال توسع مهمة المراقبين في سوريا.
يرى أولاً أن أي خطوة باتجاه مراقبة الحدود لن تكون ممكنة من دون قرار من
مجلس الأمن. كما يذكر أن قراراً كهذا، إذا ما صدر، لا يمكن أن يكون مجتزأً،
إذ أنه إذا كان العنوان منع تهريب السلاح إلى الداخل السوري، فهذا يستدعي
مراقبة كل الحدود مع لبنان وتركيا والعراق والأردن، وهو أمر يكاد يكون
مستحيلاً، ويحتاج ربما إلى 50 ألف عنصر أو أكثر لمراقبة آلاف الكيلومترات.
وقبل ذلك، يؤكد المصدر أن قراراً كهذا، قد يعيق مستقبلاً أي خطوات
أميركية لدعم المعارضة السورية. ويوضح أن الأميركيين، وبرغم تحذيرهم من
وصول السلاح إلى «القاعدة»، إلا أنهم، لم يصدروا أي موقف يعارض دعم
المعارضة ككل. وإذا كانوا يسعون حالياً إلى تخفيف حدة العنف من خلال
المراقبين، حتى انتهاء الانتخابات الأميركية، فإن أحداً لا يستطيع أن يتنبأ
بالأهداف التي قد تضعها الإدارة الأميركية الجديدة لإدارة الأزمة السورية.