الصحة الرمضانية***

الصحة الرمضانية



بشكل عام، يعتبر الصيام عن الطعام لفترة من الزمن أمرا مفيدا للجسم، خصوصا للجهاز الهضمي، حيث يسمح له بالراحة والتخلص من السموم والترسبات التي تراكمت فيه لمدة سنة. بيد ان اتباع بعض الصائمين لعادات وسلوكات خاطئة يحول الصيام من أمر مفيد إلى مضر.

أشار الدكتور جهاد الخوري، استشاري ورئيس قسم الجهاز الهضمي والكبد في مستشفى رويال حياة، إلى ان ما تمارسه المجتمعات العربية من اعتبار رمضان شهر تحضير الأطباق الدسمة والسكرية والفقيرة بالقيمة الغذائية، خصوصا الألياف، يفسد من فائدة الصيام. فتسهم ثقافة «تناول أكثر ما يمكن» من الأطباق الرمضانية في إتخام وانشغال الجهاز الهضمي على مدار اليوم وتراكم دهون جديدة، وهو ما يحرمه من فائدة الراحة والتخلص من النفايات وترميم الانسجة.

من المعروف ان الصيام السليم يمثل راحة للجهاز الهضمي (راحة 12 إلى 16 ساعة من تناول الطعام). وهو ما يترتب عليه الفوائد التالية:
ــــ تنظيف الأمعاء والتخلص من النفايات والترسبات، ما يقلل فرصة الإصابة بالالتهابات وأعراض مرضية مستقبلية.
ــــ إتاحة الوقت والطاقة لإعادة البناء وترميم الأنسجة وأي أضرار حدثت في جدار الأمعاء.
ــــ يحتاج الهضم لتوفير كمية كبيرة من الدماء والطاقة. وفي وقت الصيام تتوافر هذه الطاقة والتروية الدموية لأجهزة الجسم الأخرى، مما يعمل على زيادة معدل البناء والترميم عموما.
ــــ مع الوقت، يسهم تخلص الجسم من السموم والنفايات في زيادة كفاءة عمل الجهاز الهضمي والأجهزة الأخرى.
ــــ تعويد المدخن على التحكم والامتناع عن التدخين طوال نهار رمضان، مما يريح الجهاز الهضمي من كيميائيات السجائر.
ــــ التخلص من الوزن الزائد أو على الأقل تدريب المفرطين في الطعام، على السيطرة على شهيتهم.
مشاكل رمضان
سبب المشاكل الصحية التي تحدث في رمضان يعزوه د. الخوري إلى انحراف الصيام عن معناه الأصلي، فبدلا من كونه تدريبا على كيفية التحكم في غريزة الأكل وإراحة المعدة، بما يسهم في تحسين الصحة، يصبح العكس هو الصحيح. ويتابع موضحا:
- يربط البعض رمضان بشهر الإكثار من الطعام وبالسفرة الرمضانية الممتلئة بأطعمة غير صحية (غنية بالدهون المشبعة والنشويات الخالية من النخالة)، بما يفسر تدهور صحة الجهاز الهضمي عند البعض. فالإفراط في تناول الأطعمة يتخم ويثقل المعدة بما لا تقوى عليه، ويكبد الجهاز الهضمي مشقة هضم وجبة كبيرة تستغرق 3 ساعات وأكثر. فتظهر مشاكل مثل عسر الهضم والتلبك والمغص والإمساك.
الإفراط قد يسبب الأمراض
وأشار د. الخوري إلى زيادة عدد المراجعين المشتكين من المغص وعسر الهضم والحموضة خلال رمضان. وقد ينتج عن الإفراط في كمية الطعام والتخمة حدوث حالات مرضية، من أشيعها:
- حدوث شرخ في الصمام الفاصل بين المعدة والمريء (صمام الفؤاد). وتظهر هذه الحالة نتيجة حدوث ارتجاع لحمض المعدة إلى المريء وما يرافقه من شعور بالحموضة والحرقة، ويسبب تقرح والتهاب جدار المريء، ومع الوقت تتضاعف المشكلة ليحدث شرخا في الجدار. وان لم تعالج الحالة فستتطور ليحدث قيء بعد تناول الوجبة الدسمة. والأكثر عرضة للخطر هم من يعانون السمنة ومن ينامون بعد الوجبة مباشرة.
ــــ قد تزداد حدة حالات مرضية كانت خاملة مثل القولون العصبي وألم المرارة والإمساك. وإن استمر الإمساك طويلا، فقد يسبب شرخ الشرج أو البواسير أو تدهورها لو كانت موجودة سابقا. ويعزو انتشار الإصابة بالإمساك لسوء اختيار الطعام، بحيث يفتقر للألياف مع قلة شرب الماء وقلة الحركة.
ارتجاع الحمض إلى المريء
ــــ التخمة والثقل وقد يرافقهما الكحة والم في الصدر.
ــــ الشعور بالحموضة والحرقة نتيجة ارتجاع حمض المعدة، وقد يتذوقه الشخص ثم يبتلعه.
ــــ القيء، والترجيع بعد الوجبة مباشرة.
ــــ الغثيان.
المضاعفات
ــــ إهمال العلاج يعرض الشخص إلى خطر حدوث شرخ في صمام الفؤاد وما يترتب عليه من نزف وخروج دم مع القيء أو بعده مباشرة.
ــــ قد يسبب الترجيع الشديد انفجار المريء، ليحدث ثقبا يسمح بمرور الطعام وحمض المعدة إلى الصدر. وينتج عن ذلك حدوث التهابات شديدة يترتب عليه مضاعفات خطرة. وتحتاج الحالة للتدخل الجراحي السريع.
يمنع الصيام في الحالات التالية:
ــــ القرحة الحادة الحديثة: يتطلب علاجها عدم خلو المعدة من الطعام لفترة طويلة، لكون وجود الطعام يقلل من درجة حموضة العصارة الهضمية. حيث يسهم حمض المعدة الخالي في زيادة التهاب القرحة النشطة ويعمل على تآكلها ونزفها. وقد يسبب مع الوقت حدوث ثقب في المعدة.
وللتفصيل، فالقرحة عبارة عن انكشاف منطقة (حفرة) في الغشاء المبطن للمعدة أو الاثني عشر نتيجة تآكلها بفعل حامض المعدة. وغالبا نتيجة لوجود بكتيريا خاصة. ويتطلب علاجها تناول وجبات خفيفة على مدار اليوم والانتظام في تناول الأدوية. لذا يمنع عليهم الصيام تفاديا لمضاعفات خطيرة.
ــــ المصابون بحالة متطورة وشديدة من ارتجاع الحامض المعدي للمريء: يتطلب علاجهم تقسيم وجباتهم إلى عدة وجبات خفيفة توزع خلال اليوم مع تناول الأدوية في مواعيدها.
ــــ هناك حالات ترافق مرضى الجهاز الهضمي مثل أمراض القلب والغدد والسكر والكلى، فهؤلاء يمنعون من الصيام لضرورة التزامهم بتناول الأدوية في مواقيت معينة. كما قد يضرهم الصيام أيضا.
حالات مرضية أثناءه
هنالك أمراض خاملة، لا تظهر أو تسبب أعراضا إلا في رمضان نتيجة للصيام، ومن أشيعها:
ــــ حصوات المرارة: قد تحتوي المرارة على حصوة لا تسبب أعراضا أو مشاكل، فينصح الشخص بتركها وعدم إزالة المرارة. لكن نتيجة لعادات رمضان الخاصة، كخلو الجهاز الهضمي من الطعام، بما يسهم في البداية بزيادة الترسبات على المرارة، حتى تحاول التخلص منها، مما قد يزيد من حجم الحصوة الموجودة سابقا.
كما ان الإكثار من تناول الأطعمة الدهنية بشكل يفوق بكثير ما تعود عليه الشخص في الأيام العادية يسبب اعتصار المرارة بشكل كبير، حتى تفرز العصارة الصفراوية الهاضمة للدهون، خلال الوجبة وبعدها مما يسبب الألم.
وقد تتحرك الحصوات وتخرج من المرارة إلى القنوات الصفراوية فتسبب التهابها أو انسدادها، وهي حالة طارئة يتطلب علاجها غالبا الجراحة من خلال المناظير.
ــــ القرحة: قد تكون القرحة بسيطة ولا تسبب أعراضا في الأيام العادية، لكن نتيجة لخلو المعدة من الطعام لفترة طويلة أثناء الصيام مع الإكثار من تناول الفلفل والبهارات، فقد تنشط وتلتهب لتظهر لها أعراض.
ــــ البواسير: من الوارد ان يصاب الشخص بالإمساك خلال رمضان نتيجة لتغيير العادات الغذائية في رمضان مثل عدم تناول وجبة الإفطار والقهوة وتقليل تناول الألياف والسوائل. ويترتب عن استمراره تطور حالة البواسير من درجة بسيطة إلى درجة شديدة. ويعرف ان البواسير تتطور نتيجة الإمساك والشد في منطقة الشرج، وهي حالة مرضية مؤلمة وقد يرافقها النزف.
غازات بعد تناول الخضار
يشتكي البعض من الشعور بالانتفاخ وتكون غازات بعد تناول الخضار الورقية، ويدل ذلك على تحسس الجهاز الهضمي. فقد يتحسس الجهاز الهضمي من بعض أنواع الأطعمة، ليسبب ظهور أعراض مثل: انتفاخ وغازات وإمساك وتلبك معوي بعد تناولها. وغالبا ما تنتج عن إصابتهم بحالة «القولون العصبي»، لكن في أحيان قليلة قد تُعزى للتحسس فقط.
ومن اشهر أنواع الأغذية المسببة لتهيج حالة القولون العصبي: البهارات والفلفل والمعجنات والبقوليات والخضار الورقية، بيد ان ذلك لا يمنع الشخص من تناول الخضروات المفيدة، حيث يمكنه العلاج بتناول أنواع من العقاقير.
القهوة لها ردة فعل معوي
شرب القهوة والمواد الكافينية عموما، يرافقه حدوث ردة فعل على الجهاز المعوي يسبب تنشيط الإخراج وتسريعه. وهو سبب قصد الحمام صباحا بعد فترة قصيرة من تناول القهوة، وخاصة لو رافقها تدخين السجائر لكون النيكوتين من المواد المهيجة والمنشطة لعملية الإخراج أيضا. وبما ان القهوة تعد من المشروبات الحمضية، ينصح بشربها مع الحليب وبعد الطعام، حتى لا تشرب على الريق.

الخمائر لا تضر.. وقد لا تنفع
تتوافر في الأسواق منتجات تحتوي على خمائر وبكتيريا مفيدة للجهاز الهضمي، ويزعم مروجوها انها تسهم في تسهيل الهضم والتخلص من بقايا الطعام. وحول ذلك، علق د. الخوري:
ــــ من المعروف بأن هنالك أطعمة تتخمر سريعا في المعدة لتسبب غازات وعسر هضم ومغصا، ومن أكثرها شيوعا الكشك والثوم والبصل، لذا ينصح بتقنين استخدامها. ومن الجانب آخر، توجد في الأمعاء بكتيريا أو خمائر لها فائدة في هضم الطعام.
ولذا، فتناول المنتجات المحتوية على الخمائر ليس مضرا، ولكن لا يعرف مدى فائدته، حيث لا تتوافر دراسات طبية تشير إلى نسبة نجاحها في تسهيل أو مساعدة الهضم. وبشكل عام، يشترط لتناولها ان يتم بعد ساعة من الوجبة، حتى تترك عملية الهضم الطبيعية تأخذ مجراها.

سياسة الجمل لا تنفع
يقول د. الخوري:
ــــ من المستغرب ان البعض يعلل إكثاره في الطعام اعتقادا بأنه بذلك يتبع سياسة الجمل في تخزين الطعام. بمعنى، انه يتناول الكثير من الطعام اعتقادا بأن تخزينه يسبب عدم شعوره بالجوع خلال فترة الصيام. لكنه اعتقاد خاطئ تماما، فالشعور بالجوع والعطش لن يختفي أو يذهب مهما تناول من طعام أو شراب، لكنه سيذهب مع التعود على روتين الصيام بعد مرور عدة أيام.
كما يعتقد البعض إن تناول الدهون والنشويات يوفر مخزونا من الطاقة لنهار رمضان، بيد إن ذلك لن يسبب لهم إلا التلبك وعسر الهضم وخسارة الطاقة في هضم وجبة دسمة. في حين ان تناول الأطعمة الصحية وإراحة الجهاز الهضمي يوفران له طاقة اكبر خلال الصيام. لذا لابد من إبعاد فكرة سياسة الجمل، فهي صحيحة له فقط.

للوقاية خلال رمضان
درهم وقاية خير من قنطار علاج، فمثلما يحرص الصائم على عدم إفساد صيامه بالعبادات والسلوكيات يجب ان يحرص على عدم إفساد فوائده الصحية. وينصح باتباع هذه الإرشادات للوقاية من المشاكل الهضمية والاستفادة من الصيام:
ــــ تقسيم الوجبات إلى مراحل بما يسمح بهضم الطعام جيدا وبيسر، فتبدأ الوجبة بتناول التمر والماء ثم الراحة ربع ساعة قبل تناول الشوربة والسلطة يليها الطبق الرئيسي.
ــــ عدم الإكثار من تناول اللحوم الحمراء والأطعمة المقلية أو الدسمة المضاف لها دهون (فأغلبها دهون مشبعة ضارة)، حيث يتطلب هضمها طاقة كبيرة، كما تؤذي الجسم وتسبب تراكم السموم.
ــــ الاعتدال في كمية الطعام عموما، ويمكن اعتبار وجبة الإفطار كوجبة غداء متأخر ووجبة السحور كوجبة عشاء متأخر.
ــــ الإكثار من تناول الخضار، سواء الطازجة أو المطبوخة في الشوربة والمرق، لتزويد الجسم بالماء والألياف والمغذيات.
ــــ التعود على شرب الماء بين الوجبات أو قبلها، وليس خلالها حتى لا تسبب ارتباكا وتأخيرا لعملية الهضم. فبعد الوجبة، تترك عملية الهضم تتم من دون تدخل سواء بشراب أو طعام لمدة ساعة على الأقل.
ــــ تناول الفاكهة بين الوجبات.
ــــ عدم النوم مباشرة بعد السحور. فهو السبب الرئيسي للتخمة والحموضة وارتجاع عصارة المعدة للمريء. وهي حالة تسبب الشرقة والكحة وألم الصدر أيضا.



الصوم واسنانك

لا تشرب الماء البارد دفعة واحدة عند الافطار