21
|
.لن أذرفَ أقنعتي على الطاولةِ أمامهم
|
سأدلقُ براميلَ من الألوانِ و البيرة
|
موهمةً أصدقائي بالبهجةِ
|
.غناءً خلفَ أبوابِ الحمامات
|
من الخيوطِ و القصاصاتِ
|
-إذ لم أمتلك الأحجارَ في تدحرجِها-
|
.سأصنعُ المشانقَ و الميِّتين
|
لشموسٍ عديدةٍ
|
بستارتي لوّحتُ
|
لراحلينَ
|
خلّفوا سجائرَهم في المنافض
|
.تفنى من تلقاءِ نفسِها
|
كُلُّ ما كانَ لي
|
تركتُهُ على الحبالِ
|
القمصانُ
|
و تلكَ الجثثُ المزرقّةُ
|
كأظفاري
|
كسماءٍ في الحقدِ
|
تمطرُ الغابةَ
|
.بضحكٍ حامضٍ و خذلان
|
كُلُّ ما حلمتُ به
|
خذلني
|
و كأنّ قدميّ الصغيرتينِ
|
.مخلوقتانِ للانزلاقِ
|
22
|
كجذعٍ هجرتْهُ العصافيرُ
|
أقفُ وحدي
|
أكسرُ حدّةَ الفراغِ
|
بقامةٍ ضئيلةٍ
|
و أصدُّ الرياحَ المنهكةَ
|
عن ظلٍّ يتطايرُ
|
.و لا يلامسُ أطرافَ المطر
|
كلّما قطعتُهُ التأمَ
|
الشريانُ الذي يَصِلُ خياناتِهِمْ بدمي
|
و هذه الديدانُ
|
كلّما هَوَتْ
|
متخمةً بفاكهتي
|
أعدتُها إلى الجرحِ
|
.يدًا تجدّدُ خلايا عزلتِها
|
بمفتاحينِ ذهبيّينِ
|
-هما كُلُّ ما تبقّى منهما-
|
أغلقُ عينيّ
|
على الفقرِ في العلاقةِ
|
على هذيانِ المرتعدينَ من أنفاسهم
|
لعلّي في الوقتِ الذي على هيئةِ نهرٍ
|
أسقطُ
|
.خشبًا على خديعةٍ
|
23
|
.شبحًا، أخترقُ الجدارَ
|
أستلقي على آلامِ ظهري
|
شاردةً في السقفِ الشاهقِ
|
.كصرخةِ جبلٍ
|
جثّتي مدلاّةٌ
|
تتأرجحُ بينَ ظلالهم
|
طائرةً من الورقِ المقوّى
|
عَلِقَتْ بجسرٍ أحدبٍ
|
يعبرُهُ الصبيةُ العائدونَ من مدارسهم
|
يجمعونَ عصافيرَ ميّتةَ في الطرقاتِ
|
يتبادلونَ الأجنحةَ
|
حالمينَ بفضاءٍ أكثرَ اتّساعًا
|
و آباءٍ أقلَّ قسوةً
|
خشيةً من تآكلِ الأبوابِ
|
.بأحقادِ البكتيريا
|
قلبي فردٌ
|
آنيةُ دمعٍ خاويةٌ
|
إلاّ من عفونةِ الأزهارِ المتحلّلةِ إلى حشراتٍ
|
.تتنامى على غبارِ الكومودينو الأسود
|
24
|
بأيّةِ يدٍ أقفلُ النافذة َعلى المشهد؟
|
.صناديقُ الموتى تزحمُ حجرتي
|
.الأمُّ تهمسُ لعشيقِها بأسرار ِالعائلةِ
|
،صوتُها الخؤونُ يقودُني على أسلاكٍ مكشوفةٍ
|
و هذه الجرذانُ في الزوايا متربّصةٌ
|
.تتغذّى على ما ترسّبَ في الدمِ من أقراصٍ مهدّئة
|
.مسّني جنونٌ
|
أصابعُ المهرّجينَ في خواتمِ الدخانِ
|
و الحسرةُ شجرةٌ محنتُها الفقدُ
|
.تحدّقُ في حذائها
|
هل يستمرُّ الأطفالُ الملوّنونَ طويلاً على بياضِ الحوائط؟
|
من دلّ أقدامَهُمْ على طريقٍ سلكَتْهُ الراقصةُ بعدهم؟
|
و كيفَ استطاعوا أن يتسلّلوا إلى الكوابيس
|
دونَ أن يرجّفوا الظلّ؟
|
وحيدونَ في حضنها
|
رغمَ تداخلِ الأعضاءِ و الشوارع
|
يعانقونَ دميةً تُشْبِهُها و لا تُبادِلُهُمْ القُبَلَ
|
و لأنّ السلالمَ لا تصعدُ
|
يتسلّقونَ آثامَهُمْ
|
عتمةً ثنائيةَ الجنسِ
|
.وردًا عائمًا يرافقُ انجرافَ الجثّة
|
ربّما يكونُ الادراكُ قد أتلفَ تعدّدي
|
فلا أستمتعُ بالصخبِ و الكؤوسِ ثابتةً
|
.و لا أقوى على تحمّلِ حناني
|
.شخوصٌ يتكاثرونَ حولَ السرير
|
.يُعْتِمونَ في الغيبوبةِ مساحةَ الركضِ
|
بطلقةٍ واحدةٍ
|
يمكنني التخلّصَ من كُلِّ هذه الأشباحِ في الرأس
|
.في أنفاسِ حجرةٍ تضيقُ و تتّسعُ
|
25
|
.عبرتُ
|
.رأيتُ غابةً هادرةً
|
.أعرفُ الوجوهَ
|
.لا أذكرُ أسماءَها
|
.ليسَ الأزرقُ لونًا أو سماءً أو بحرًا
|
.الأزرقُ لوحةُ طفولتي
|
،الأزرقُ عصفورٌ بلا شجرة
|
.أسماكٌ في العينين، في الرئتين، في العروق
|
رأيتُ قصيدتي تغادرني
|
،كالمكان)
|
(كمربّعاتِ الإسمنتِ و المقاعد
|
روحًا تحلّقُ فوقَ الجثّةِ
|
.ثم تتّجهُ نحوَ النفق
|
.إنّني الآن على الجانب الآخر
|
.عبرتُ حياتي حيثُ لا شئ، لا أحد، سوى هذا الفراغ الأسود
|
.ما من أحدٍ مغلق
|
26
|
الشوارعُ ذاتُها
|
بالأسماءِ التي تحملُها منذُ قرونٍ
|
بأشجارِها العاريةِ
|
.عروقًا في أعضاءِ الفراغ
|
عناوينُنا فقطْ
|
.هي التي تغيّرت
|
أمشي
|
ظلّي آخر
|
شأنَ أفرادِ العائلةِ
|
.مثلَ أصدقائي
|
ثمّةَ عصافير من الغليسرين تنهمرُ
|
مطرًا خادعًا
|
رغم تدفّقِهِ
|
.كالحنانِ الذي في قسوتك
|
27
|
.ليست هذه مدينتي، أعلمُ
|
الخواءُ ضيّقٌ، ما من رفاقٍ في هذا البلدِ البعيدِ يوسّعونَ الروحَ
|
.و الأمكنة
|
أكثرَ وحدةً من جثّةٍ لم تألف عتمتَها بعد
|
الذينَ أخمدوا صرختي بترابٍ
|
.عادوا إلى منازلهم
|
في انتظارِهِ
|
.سريرٌ و امرأة
|
أدخّنُ الفقدَ
|
رئتينِ متفحّمتينِ تنتفضانِ بسعالك
|
كي أصنعَ غيمًا يؤنسُ ظلّي
|
.و أجعلَ من السقفِ سماءً صغيرة
|
28
|
من أطفأ الأباجورةَ العاليةَ في غرفتي؟
|
.لا بدّ أنّ شبحًا يقيمُ حيثُ كانَ لي في الزاويةِ سريرٌ
|
،ثمّةَ يدٌ مجهولةٌ نزعتْ صورةَ المغنّي عن جدارِها
|
.و ألقت بخشبِ غيتارِهِ في المدفأة
|
.الستارةُ في الطابقِ الثالثِ من العتمةِ و الريحِ تلوّحُ
|
لعلّها لمحتُ يدي المعلّقةَ في خواءٍ
|
.غيمةً بلا خواتم
|
29
|
الشجرةُ التي حدّثتني عنها مرارًا
|
التي تسقطُ أوراقَها الصفراء
|
كمن ينفضُ عن معطفِهِ بعضَ الغبار
|
.لم تعد أمّي
|
.ما عادَ الطائرُ الأزرقُ الذي تطوّقُهُ بذراعيها يأمنُ مزاجَ حنانها
|
30
|
هكذا أعودُ
|
في ساعةٍ متأخّرةٍ من التعبِ
|
.لعلّ الجمرَ الذي في الأعضاءِ يستحيلُ رمادًا
|
.أخرجُ عن سياقِ الكؤوسِ و الأصدقاء
|
.أغادرُ الضحكَ مكانًا لا يتّسعُ لانسكابي
|
.أتبعُ الوقتَ الذي مرّ كغريبٍ تحتَ النافذة
|
.لم يعد في القسوةِ ما يُدْهِشُ
|
يدي اعتادت سقوطَ خواتمها
|
و أشباحَ المحبَّةِ
|
خارجةً من المناديل
|
.حينَ ألوّحُ
|
هكذا
|
عبرَ البياضِ في أكفانٍ مرصوصةٍ خلفَ البابِ
|
...توطّدت علاقةُ الأصابعِ بالفراغِِ
|
.أطفالي نائمونَ في الورق
|
توسّدوا الألوانَ
|
.ناموا
|
.مُحْكَمٌ بيننا الزجاجٌ، لئلاّ توقظَ أحدَهُمْ خشونةُ سعالي
|
.أستلقي على السريرِ الأَرِقِ بثيابي
|
.علبةُ السجائر في مكانِها و الهاتفُ المنسيّ
|
أفكّرُ في النُدْبِ الذي في خدّها الأيمن. تلكَ المرأةُ الغامضةُ لم تُسْقِطْ كُلَّ جلودِها. ليست عاهرةً، كما صوّرَتْ لنا ملابسُها الفاضحةُ أحيانًا و تعدّدُ لهجاتِها. و لا أعتقدُ أنّ المقهى المهدومَ سيعودُ إلى ما كانَ عليهِ: قشُّ السقفِ و الجدران، الحبالُ ال
|
.أُغْمِضُ
|
.ما عاد ممكنًا أن أستعيدَها أمًّا ليتمي
|
.حضنُها مغلقٌ. ما من مفتاحٍ للبوّابةِ التي تخذلُ ظلّي كلّما اقتربْت
|
31
|
تحتَ مطرٍ من شجرٍ في السماءِ
|
سأقفُ
|
جذعً ميّتًا
|
نحتَتْهُ
|
-ليصيرَ أنا-
|
ريحٌ
|
.في خشبِهِ، نفخَتْ روحَها
|
سيّاراتٌ قليلةٌ ستعبرني
|
في ظلّي، سيدخّنُ صغارُ المدرسةِ
|
كما كنّا نفعلُ في الماضي تمامًا)
|
تحتَ تلكَ الشجرةِ الكبيرةِ
|
قُرْبَ البوّابةِ الرئيسيةِ
|
.(و السورِ الأحمر
|
سأنصتُ لارتطامِ الطيورِ
|
على المعطفِ البلاستيكيّ
|
و الأسفلتِ الموحشِ
|
حتّى تُفقِدني أحماضُ الملائكةِ وجهي
|
و يدي
|
.و الأرضَ التي لم تعرف بعدَ الغيابِ حذائي
|
32
|
البابُ المعدنيُّ الأخضرُ
|
ذو القضبانِ العديدةِ و الحارسِ الأوحد
|
الذي كنّا ندخلُهُ في الصباحِ ركضًا و الحقائبُ الصغيرةُ تقفزُ على ظهورِنا مثلَ ضفادع تبعتْنا من النهرِ البعيدِ
|
.البابُ -عتبةُ الجنّةِ في الخروجِ- مغلقٌ على طفولتِنا
|
.يدي تحثّني على ملامسةِ حديدٍ مبتلّ
|
.لا أجرؤ
|
33
|
على الرصيفِ المقابلِ، شبحُ ذلكَ المقهى. دوريٌّ على كتفِهِ الأيمن يحدّقُ في ظلّي. غبارُ السنواتِ بيننا. مِنْهُ، يولدُ المكانُ ثانيةً، و تحلّقُ عصافيرُهُ بذاكرتي:
|
البابُ الخشبيُّ الخشنُ، المتأرجحُ الستارةِ بينَ صقيعِ الشارعِ العموميّ و الدخان. الطاولاتُ المستطيلةُ ذاتَ المنافض و الفناجين و الصحون و الأيدي. الكراسي التي قوّسَتْ ظهورَنا. الجدرانُ الصفراءُ كأسنانِنا. النادلةُ الطيّبةُ التي تعرفُنا أكثرَ من أمّهاتِنا.
|
مروة، عالية، منى، أنا: أربعةُ حوائط هُدِمَتْ في مثلِ هذا المطر.
|
.السقفُ موتٌ ملوّنٌ، معلّقٌ في الخواءِ، يظلّلُ رأسَ الشبحِ و دهشةَ الدوريّ على الرصيفِ المقابل
|
34
|
تحتَ هذا المطر المتساقط من الأعالي
|
سأقفُ
|
جذعًا يقلّ
|
.وحلاً تتكاثرُ فيه أعقاب السجائر
|
.لن يفتحَ البابَ الحطّابُ الذي قطّعَ أعضائي
|
لن تحطّ على كتفي
|
لن تدركني
|
في هذا المكانِ القديمِ
|
.شمسُ الأصدقاء
|
35
|
.أرجّحُ الاحتمالاتِ الطيّبة لِكُلِّ السوءِ الذي حدث
|
المحبَّةُ خدعةٌ
|
و الحنانُ مشبوهٌ
|
.لكنّني -رغمَ حدّةِ الألمِ- سأستمرُّ في تصديق ما لا أراهُ
|