11
|
من السقفِ الذي تسندُهُ يدُ التثاؤب
|
لئلاّ يهبطَ الكابوسُ المتكرّرُ
|
كعنكبوتٍ
|
،متشابكًا بأصواتٍ تخفتُ
|
.تتدلّى حبالٌ دونَ جثث
|
نغلقُ أهدابَنا
|
كما في الموتِ
|
كما في دخولِنا هذه الحجرة السوداء
|
حيثُ وسادةٌ فقدتِ النومَ
|
و خزانةٌ عاريةٌ
|
و كرسيٌّ يجلسُ في ركنٍ
|
.مأخوذًا بجدارٍ خامس
|
نعلّقُ الشمسَ
|
لحظةً تعبرُ الرتابةَ دونَ مطرٍ
|
أو أشجارٍ
|
أو حيواناتٍ أليفةٍ تلعبُ معنا
|
مؤرجحينَ أوهامِنا على عتباتهم
|
صانعينَ في كُلِّ مرّةٍ تشكيلاً مختلفًا
|
تحملُنا الدهشةُ التي يُلقيها
|
إلى ذروةِ اللذّةِ
|
.لتقذفَنا فجأةً في الضجر
|
.الساعةُ لا تشيرُ إلى زمنٍ
|
.لا ساعةَ على الجدارِ أصلاً
|
.فقطْ حيواناتُ قماشٍ على الموكيت الأبيض
|
.هكذا، أوهمْنا السقفَ أنّنا بلا ماضٍ
|
12
|
كُلٌّ منّا حائطٌ
|
و ظلٌّ
|
و لوحةٌ خاصةٌ بحالتِهِ
|
يشردُ بين زواياها طويلاً
|
كأنّ المَرْسَمَ الكامنَ في مدينةٍ لم يمرّ بها قطارُنا
|
كانَ يطلُّ علينا
|
.تحتَ شجرةٍ لوّثْنا رئتيها بالسجائر
|
13
|
العازفُ الذي يستخدمُ علبةَ غيتارِهِ تابوتًا
|
سيقفزُ من بابِ القطارِ فجأةً
|
ترافقُهُ آلتُهُ الموسيقيّةُ
|
.و أصواتُنا
|
كعادتِنا
|
سنهزأُ بالأمرِ
|
.و نستمرُّ في الضحكِ و التدخين
|
لكنّنا في عودتِنا من مدينةِ الملاهي
|
سنتذكَّرُهُ
|
.و نتتبّعُ صدأَ دمعاتِهِ على القضبانِ الحديديّة
|
14
|
الهيكلُ العظميُّ في مختبرِ المدرسة
|
بالقبّعةِ السوداء
|
نحمي جمجمتَهُ من حرارةِ اللمبةِ الفوسفوريّة
|
من تسرُّبِ جنونِنا إليها
|
و بشيءٍ من الرهبةِ
|
نفتحُ الفكّينِ المثقلينِ بالصمتِ
|
مثبّتينَ سيجارةً مشتعلةً
|
.لن يتذوّقَ تبغَها
|
نُدْخِلُ سمّاعتينِ مكانَ أذنيهِ
|
و نهزُّ عظامَهُ
|
.معانقينَ عجزَهُ عن الرقصِ معنا
|
15
|
رؤوسُنا للفراغِ
|
لطيورٍ عملاقةٍ لا تمنحُ العظامَ ريشَها
|
لإلهٍ صغيرٍ
|
ألبسناهُ معطفَ دموعِنا
|
.كي تصدأَ في الأرواحِ المشوّهةِ مساميرُهُ
|
بعيدًا عن أجسادِنا المعتلّةِ
|
بهشاشةٍ يدركُها الحطّابونَ
|
و ينتهزونَها فرصةً لاغتصابِنا
|
.يُصْنَعُ الأثاثُ و تُحْكَمُ التوابيت
|
من جلدِنا الورقُ
|
.و قصائدُ المدرسةِ و المقاهي
|
.نحنُ الصناديقُ و الموتى بداخلها
|
ما يؤرّقُ الغاباتِ في رؤوسِنا
|
كلّما اختبأْنا-
|
تحتَ ملاءاتٍ ناصعةٍ
|
-كأسنانِ أطفالٍ مُبْتَسِمِين
|
افتقادُ خشبِ الأسرّةِ لجذورِنا
|
أو تسرّبُ أنفاسِنا المخمورةِ
|
.من شقوقٍ صغيرةٍ في إطاراتِ النوافذ
|
16
|
ما الغرابةُ
|
أيّها الأصدقاء
|
في عصفورٍ
|
يعبرُ غيمةً
|
في سقفِ الحانةِ
|
و يصطدمُ بشبيهٍ
|
في لمعانِ المرآة؟
|
ما عنصرُ المفاجأةِ
|
في تفكّكِ جمعتِنا
|
و تحلّلِ الشموسِ المدلاّةِ من الأعناق
|
إلى سوائل حامضة
|
تُفْسِدُ قمصانَنا المربّعةَ
|
و تُخْمِدُ سعالاً متقطّعًا في صدورِنا؟
|
كنّا على يقينٍ
|
أنّ أرصفةً متصدّعةً كرؤوسِنا ستنبذُنا
|
دونَ رفاقٍ أو موسيقى
|
.و أنّ أسنانَنا سيحرثُها الضحك
|
17
|
دائمًا في أمكنةٍ ضيّقةٍ
|
.تُعيقُ رفرفةَ أذرعتِنا
|
على ظهورِ المقاعد
|
نسندُ تقوّسًا وراثيًّا
|
.ضاعفت درجتَهُ حقائبُ المدرسةِ و السفر
|
ندخّنُ الهزائمَ بشراهةٍ عضويّةٍ
|
أحيانًا، نميلُ برؤوسِنا إلى الوراءِ
|
.لعلّ الصداعَ يسقطُ بالوساوس
|
الأسودُ الحادُّ
|
وحشةٌ على الجدرانِ
|
دونَ لوحاتٍ
|
.دونَ ظلالٍ تمرُّ
|
لأطفالِنا الميّتين
|
خفّةُ الملائكةِ في الأحضان
|
لهم جلدُ في حنانٍ مزرقٍّ
|
و عيونٌ منمنمةٌ أليفةٌ
|
.تحدّقُ في فجيعتِنا و لا ترانا
|
18
|
لن يصحبَنا أحدٌ إلى تلكَ الحجراتِ المخنوقةِ المتربة، حيثُ لا مفاتيحَ ضوءٍ و لا نوافذَ نواربُها.
|
ستكونُ الأمهاتُ مشغولاتٍ بإخوتِنا، أشباهًا جارحينَ كحوافِّ المرايا. سيذرفنَ الحسرةَ دونَ انتباهٍ في الأواني، ليكونَ طعامُ العائلةِ مالحًا، مرًّا، كالترابِ في أفواهِنا، كلّما ابتسمْنا لملاكٍ يعبرُ عتمتَنا و يتوارى.
|
أمّا الأصدقاء، فلا بدّ أنّهم سيعونَ فكرةَ الموتِ مبكرًا و يرتبكونَ تجاهَ التعلّقِ و الفقد. ربّما يتركونَ لنا بعضَ ورداتٍ على عتباتِ أبوابٍ لن تُفْتَح.
|
سنذهبُ وحيدينَ إذًا، ترافقُنا الأجسادُ لحينٍ، ثمّ تُنْسَلُ ببطءٍ خيوطًا لا تلحظُها الستائر، تمامًا كالأرواحِ التي غادرتْنا.
|
19
|
.كانَ الحنانُ أوّلَ من سقطَ منّا
|
.كانَ الليلُ أطولَ من أذرعتِنا في العناقِ
|
يداك في فراغٍ
|
.و الاستحواذُ كامنٌ في كمائنِ الاحتواءِ
|
لم تكن تلكَ المحبةُ خالصةً
|
المرآةُ لم تكشفْ لي أوراقًا
|
شجرةٌ هَوَتْ في شارعِكَ
|
.أخرجتني من وهمِ الغابةِ
|
هل كانَ حِضْنُكَ حقيقيًّا؟
|
هل أسندتُ رأسي -فعلاً- على روحٍ تنتفضُ عبرَ أنفاسِها؟
|
.لا أذكرُ من الحجرة ِسوى نافذةٍ بحجمِ البحرِ أغرتْني بانتحارٍ أجّلتُهُ لحينَ فقدانِك
|
.ذلكَ العطرُ ما زالَ عالقًا بالخيوطِ التي قطعتُها، ملاكًا مشنوقًا من جناحيهِ
|
ظلُّ الطائرةِ الورقيّةِ لا يغادرُ مساحةَ طفولتي
|
رغمَ أنّني أفلتُّها
|
.و بترتُ أصابعَ اليدِ الواحدةِ التي كنتُ أحصي بها أصدقائي
|
20
|
كنافذةٍ ملوّنةٍ في لوحة
|
قطٌّ
|
على حافَّتِها
|
رغبتُهُ صفراء
|
أطلُّ
|
و رؤوسُ الصغارِ
|
على غيمةٍ خشنة
|
.تجرحُ الأجنحةَ في عبورِها
|
لا معطفَ أدسُّ في جيبِهِ وردتي
|
لا خواتمَ
|
.لا عازفَ كمانٍ على سطحِ البيتِ المجاور
|
.برجٌ منتصبٌ كشجرةٍ معدنيَّة
|
.بناياتٌ مبعثرةٌ، مطفأة
|
رغمَ هندسةِ الحنانِ في مكعّباتِ السُكَّرْ
|
أتفكّكُ
|
عن خلفيّةِ الرموزِ و أطفالِ الورق
|
عن الزجاجِ المغبرِّ في سنواتٍ دهسَتْ براءتي
|
مثلَ شاحناتٍ ثقيلةٍ
|
قوّسَتْ جسورَ الليل
|
."بما أسمّيهِ الآنَ "الوعي
|