كتبت صحيفة "اللواء": ما زالت
الرسالة التي بعث بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز
إلى الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان والتي تعبّر عن اهتمام المملكة
بما يجري في لبنان، وحرصها على استقراره ووحدته وعلى تحصينه من كل
التداعيات الخارجية عبر حوار وطني بين الأفرقاء كافة، ما زالت تحظى
باهتمامات اللبنانيين شكلاً ومضموناً حيث اعتبرتها أوساط رسمية أنها بمثابة
فرصة إنقاذ أعطت إشارة الضوء الأخضر لإعادة إطلاق الحوار بين الأفرقاء
اللبنانيين لكي يجنّبوا بلدهم مخاطر الانزلاق وراء المؤامرة التي تعدّها
لهم دولاً وجهات خارجية، هدفها الإطاحة بالعيش المشترك، وتحويل هذا البلد
إلى صندوق بريد لتوزيع الرسائل.
وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال
سليمان، بذل ولا يزال يبذل جهوده مع القيادات اللبنانية من فريقي الرابع
عشر والثامن من آذار من أجل توفير المناخات المؤاتية والأرضية الصالحة
لاستئناف اجتماعات طاولة الحوار الوطني من دون شروط مسبقة نظراً لدقة الوضع
الداخلي وخطورته في ظل مرحلة تشهد تحولات جذرية في المنطقة، إلا أن الدعوة
لم تلقَ استجابة فريق الثامن من آذار لوضعه شروطاً مسبقة للقبول بانعقاد
الطاولة، وأهمها استبعاد المقاومة وسلاحها عن الطاولة وعدم البحث
بالاستراتيجية الدفاعية والاكتفاء بمناقشة الوضع العام والتحديات وكيفية
تحصين الوضع الداخلي في وجه أية تداعيات خارجية بما فيها تداعيات الوضع
السوري، في حين طالبت قوى الرابع عشر من آذار بإدراج بند المقاومة وسلاحها
كبند وحيد متبقي من بنود طاولة الحوار الوطني التي أنشئت بدعوة من رئيس
مجلس النواب نبيه بري في حزيران عام 2006 وتوقفت بعدما أنجزت معظم بنودها
من انتخاب رئيس جمهورية توافقي إلى جمع السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات
وضبطه داخلها الى إحالة جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري على المحكمة
الدولية الخاصة بلبنان وإقامة علاقات دبلوماسية مع سوريا وترسيم الحدود بين
البلدين.
ورأت قيادات قوى الرابع عشر من آذار أن العودة إلى طاولة
الحوار استجابة لطلب رئيس الجمهورية، إذا اقتصر البحث على البند الواحد
المتبقي وهو مصير سلاح المقاومة خصوصاً وأن هذا البند هو جزء أساسي من
اتفاق الدوحة.
ولكن قوى 14 من آذار رحّبت بدعوات رئيس الجمهورية
المتكررة إلى استئناف اجتماعات طاولة الحوار الوطني للبحث في التطورات التي
تعيشها المنطقة العربية وما تشهده من تحولات نحو الديمقراطية تحت عنوان
ثورة الربيع العربي من أجل تحصين الوضع الداخلي ضد أية تداعيات خارجية، ولا
سيما من الجانب السوري الذي ما زال يتمتع نظامه بنفوذ داخل لبنان من خلال
حلفائه الذين يمسكون بالقرار الحكومي.
ولم تستبعد هذه القوى، منذ أن
اندلعت الثورة السورية، أن يلجأ النظام السوري إلى استخدام لبنان صندوقة
بريد لتوجيه الرسائل إلى الخارج، وقد صحت توقعاتها مؤخراً بعدما تبين تدخله
في احداث الشمال الأخيرة من خلال عملائه، وبعد الرسالة التي بعث بها سفير
النظام في الأمم المتحدة الى الامين العام بان كي مون وحاول من خلالها
تصوير لبنان وكأنه بؤرة ومخزن للارهاب وللقاعدة، ولكل السلفيين الذين
يهددون السلم العالمي.
ومنذ الإعلان عن هذه الرسالة، دخل الوضع
اللبناني في حالة استثنائية تنذر بالخطر الشديد على هذا البلد بالانزلاق في
الفتنة الداخلية لولا وعي قياداته واستدراكها للأمور، ومسارعتها إلى تهدئة
الشارع، وإعادة ضبطه بما يبعد أي احتمال لاصطدامه بالجيش اللبناني أو
بالقوى الأمنية الأخرى المولجة حفظ الأمن والنظام في البلاد.
واللافت
أن الرئيس سليمان تلقف رسالة العاهل السعودي، وقرّر وفق مصادره التحرّك
والانطلاق في جولة عربية تبدأ من السعودية وتشمل قطر والامارات العربية،
وهذه الدول الخليجية الثلاث نصحت رعاياها بمغادرة لبنان وعدم التوجه إليه
نظراً لخطورة الأوضاع فيه.
وقد مهّد الرئيس سليمان لهذه الجولة على
العالم العربي باجراء اتصالين بخادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك
عبدالله بن عبدالعزيز وأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وتشاور
معهما في الأوضاع العربية واللبنانية السائدة وفي التطورات والسبل الآيلة
إلى قطع رأس الفتنة الداخلية في لبنان وترسيخ الأمن والاستقرار بحيث يتحوّل
صيفه الحار إلى صيف واعد يُشكّل متسعاً للرعايا العرب الذين اعتادوا في كل
سنة على ان يمضوا وقتاً ممتعاً في الربوع اللبنانية.
وبالتوازي مع
تحرك رئيس الجمهورية على الجبهة العربية، وعلى الجبهة الداخلية للدفع في
اتجاه إزالة كل الغيوم التي تجمعت في سماء العلاقات العربية - اللبنانية،
والتقريب بين الفرقاء اللبنانيين داخلياً بحيث تتهيأ الأجواء لاستئناف
طاولة الحوار الوطني المتوقفة منذ اكثر من سنة ونصف السنة بفعل تعطيلها من
جانب قوى الثامن من آذار وتشكيل مناعة داخلية في وجه محاولة نقل الوضع
السوري إلى الساحة الداخلية اللبنانية بالتوازي مع هذا التحرّك فتحت خطوط
التواصل على مصراعيها بين القيادات السياسية وسجل في هذا المجال أوّل اتصال
بين الرئيس نبيه برّي والرئيس سعد الحريري منذ نحو عام تلاه آخر أمس وفق
المعلومات التي سربتها أوساط رئيس المجلس، وكان الهدف من هذين الاتصالين
اللذين اجريا في اقل من 24 ساعة التأكيد على ضرورة إعادة التواصل بين
القيادات اللبنانية لتجنب الانزلاق في المؤامرة الخارجية لإحداث فتنة
داخلية.