دخول رياض الأطفال قبل الالتحاق بالمدرسة مرحلة
انتقالية مهمة للغاية في حياة كل طفل وكل أسرة على حد سواء.. فهي أول خطوة
كبيرة في رحلة انتقال الصغير من مرحلة المهد إلى مرحلة الطفولة.
وتحرص كل أم على أن تمر هذه المرحلة من حياة طفلها
بسلام لتحقيق أكبر قدر ممكن من الفائدة والمصلحة له وعلى إزاحة شبح القلق
الثقيل الذي يجثم على صدر الصغير مع بداية تلك الفترة الفاصلة في حياته.
وفي محاولة من البروفيسور جوشوا اسبارو أستاذ علم
النفس في كلية طب هارفارد - المؤلف المشارك لكتاب "نقاط التماس بين ثلاث
وست سنوات" الخاص بالأطفال في مرحلة رياض الأطفال- لتخفيف القلق عن كاهل
الصغار يقدم عدة نصائح للكبار لاسيما الأمهات.
وأكثر التحديات شيوعاً التي يواجهها الصغار في تلك المرحلة هي توديع الوالدين أو ما يسميه اسبارو "ورطة الانفصال عنهما".
فبالنسبة لبعض الأطفال تكون هذه أول مرة ينفصلون فيها
عن أمهاتهم.. وحتى إذا كانوا قد سبق لهم الانفصال عنهن فإن هذه طريقة
جديدة وموقف جديد تماماً يشاركهم فيه أطفال آخرون رعاية المعلمة أو المسئول
عن الفصل الجديد في المدرسة.
استعدي أنت أولاً
تتساءل أمهات كثيرات: كيف يمكننا تهدئة قلق صغارنا بشأن الانفصال عنا في هذه المرحلة؟
ويجيب البروفيسور اسبارو قائلاً إنه أولاً يتعين على
كل أم أن تبحث عن حجم التذبذب الذي تشعر به إزاء ترك طفلها لأن تلك المشاعر
ستصل له.
فإذا كان لدى الأم شعور بالتردد أو عدم الارتياح أو
الشك المتعلق بكراهيتها ترك طفلها حين يكون غير سعيد بذلك أو إذا كانت غير
مقتنعة تماماً بالمكان الذي ستترك فيه الطفل أو غير راضية عن حقيقة ضرورة
تركه فإن الرسالة التي سيلتقطها الطفل مفادها هو "حسناً قد يكون هذا
المكان غير جيد حقيقة أو أن بقائي فيه فكرة غير مناسبة"، فالمطلوب أولاً -
وفقاً لرؤية الخبير- هو أن تجهز الأم نفسها أولاً قبل أن تجهز طفلها لهذه
المرحلة الفاصلة في حياته.
ومع ذلك يتعين على الأم أيضاً تجهيز صغيرها لتلك
المرحلة بأمور عديدة أولها أخذه لزيارة الفصل الدراسي ومقابلة المعلمة قبل
بدء الدراسة.. وإذا تيسرت مقابلته مع طفل آخر سيلتحق بالروضة معه لأول مرة
في ذات الوقت ويلعبان معاً لأن ذلك سيكون أروع لأنهما سيرحبان ببعضهما حين
يلتقيان مع بدء الدراسة في روضة الأطفال وبالتالي يخف القلق الجاثم على صدر
كل منهما.
كما يمكن للأم أن تعطي صغيرها شيئا محببا له معه في
أيامه الأولى بالروضة مثل لعبة يحبها أو قصة تستطيع معلمته قراءتها له
ولزملائه في الفصل وما إلى ذلك.. إضافة إلى تأكيدها له بأن "ماما ستأتي"
أو "بابا سيأتي" لأخذك إلى البيت.
تثبيت الفكرة
ولتثبيت فكرة عودة الأم أو الأب في ذهن الصغير يمكن
للأمم أن تمارس لعبة تخفي خلالها بعض الأشياء عن نظر الصغير ليعيد
اكتشافها.. فمثلا تستطيع الأم أن تدحرج كرة أسفل أريكة بالمنزل وتقول
للصغير "انظر.. لا نراها.. أتظن أنها ما زالت هناك؟.. هيا بنا نرى".
وحين يجد الطفل الكرة يمكن للأم أن تقول "انظر.. حتى
رغم أننا لم نكن نرى الكرة فقد كانت موجودة.. تماماً مثل ماما حين تذهب
إلى العمل"، وبذلك يمكن للأم تثبيت هذا المفهوم في ذهن الصغير حتى وإن كان
موجوداً لديه منذ السنة الأولى من حياته لكنه قد يهتز نتيجة خوضه لتحدي
انفصاله عن والديه.
ويفاجأ كثير من الأطفال حين يذهبون إلى المدرسة (رياض
الأطفال) لأول مرة بعدم تركيز المعلمة مع كل منهم وحده كما كان معتاداً
طوال مرحلة المهد السابقة حيث كان كل اهتمام الأم أو الأب أو المربية أو
جليسة الأطفال مُنصبا على طفل واحد بينما هو هُنا يرى أن اهتمام المعلمة
موجه لجميع لأطفال الذين يشاركونه فصله الدراسي ولا يخصه وحده.
وبالتالي فإن تعليمه المشاركة في العلاقة مع المعلمة
خبرة جديدة وفي غاية الأهمية أيضاً خصوصاً أنه سيكون في حاجة إلى أن يتعلم
كيفية تكوين صداقات ومشاركة أصدقائه اللعب والمرح والدور وكيف يكظم غيظه
ولا يثور كما كان يفعل في البيت؟
فمرحلة رياض الأطفال أو ما قبل المدرسة توفر لأبنائنا
فرصاً كثيرة لاكتساب خبرات وممارسة مهارات إضافة إلى فرص أخرى يتعلموها عن
مشاعر الأطفال الآخرين ولاكتشاف السعادة في فضيلة الكرم.
ومع أن ذلك يعد مبكرا جدا فإن البروفيسور اسبارو يقول
إن هناك أمثلة عديدة سيقول فيها الطفل لآخر "هل تريد أن تلعب بهذه
اللعبة؟.. " فهذا كرم منه يجعله يشعر بالسعادة حين يسعد طفلا آخر بلعبته.
النظام والإثارة
أضيفي إلى ذلك أن الأطفال يحبون أكثر في هذه المرحلة
الروتين اليومي المعتاد في رياض الأطفال الذي يغرس في أنفسهم النظام
والإثارة في آن واحد حيث ينتظرون الموعد الذي تحكي فيه لهم المعلمة قصصا
ووقت تناولهم الطعام ووقت الاستراحة ويبدءون يشعرون بذلك.
وتصبح ألعابهم الخيالية والممتعة أقوى أكثر في هذه
السن، كما أنهم يستفيدون من أقرانهم أمورا تتعلق بتعلم اللغة واكتساب
مهارات أخرى كقيادة الدراجة وما إلى ذلك.
التحكم في المشاعر
عموماً حين يواجه الطفل تحديا يتعين عليه تعلمه في
مجال جديد يحدث تراجع في مجال آخر وصل فيه إلى القمة في الآونة الأخيرة..
ولذلك ففي سن ثلاث سنوات قد يبول الصغير في فراشه أثناء الليل لأن والديه
طلبا منه الالتزام بالمحافظة على فراشه جافا أثناء الليل، ويحتمل كذلك حدوث
مزيد من البكاء والصياح والتشبث بالوالدين والرغبة في الالتصاق بهما.. وقد
يتحدث طفل مباشرة في ذلك وقد يكون هناك مشكلة لدى الطفل بشأن انفصاله عن
والديه أثناء النوم وبشأن مدى رغبته في النوم نفسه، وأحد المهارات المهمة
التي يتعلمها الطفل في رياض الأطفال في تلك المرحلة هي ضرورة التحكم في
المشاعر لاسيما أن والديه يعملان - تقريباً - أغلب الوقت وليسا في انتظار
مزيد من البكاء ونوبات الغضب والهيجان والتهور.
ومع ذلك يتعين ألا يستمر لأكثر من أسبوعين على أكثر
تقدير التراجع في مجال سبق وتعلمه الطفل كما يجب ألا يكون مستمراً على مدار
اليوم لعدة أيام. ولذلك فرغم أن الأطفال الملتحقين حديثاً برياض الأطفال
قد يتحدثون بعض حديث مرحلة المهد أو يبللون فراشهم أو يجدون صعوبة في
الانفصال عن والديهم أثناء النوم فمن الضروري للأم أن تراقب سلوك صغيرها أو
صغيرتها لتتيقن أنه لا يوجد تغيير للأقل في سلوكهم الطبيعي المعتاد في
الأوقات الأخرى من اليوم مثل اهتمامهم باللعب مع أقرانهم أو تحديد مواعيد
للعب مع أطفال آخرين.
اختيار رياض الأطفال
من أكبر المشكلات التي تواجهها الأمهات اختيار روضة
الأطفال الملائمة لصغيرها أو لصغيرتها والتي تحقق لها وللصغير أكبر قدر
ممكن من الطمأنينة والأمان وتعده أفضل لمستقبل مزهر بأمر الله، ولذلك يرى
البروفيسور سبارو أن أول شيء يتعين على الأم والأب أخذه في الاعتبار أثناء
دراستهما لفضل روضة أطفال سيلحقون بها صغيرهم هو ما إذا كان معلمو معلمات
تلك الروضة يفهمون أنهم ليسوا هناك لمساعدة ودعم الطفل فقط ولكن لمساعدة
الوالدين أيضاً، كذلك ما إذا كان المعلمون سيسمحون للآباء والأمهات بالبقاء
في فصل طفلهم الدراسي خلال الأيام الأولى لالتحاقه بالروضة وذلك لتأهيله
بالشكل الكامل للتغيير الجديد في حياته ومدى استعداد المعلمين والمعلمات
لتقديم تقرير يومي للوالدين عن نجاحات وإخفاقات الطفل.
ويشدد سبارو مجدداً على أهمية أن تتوقع الأم والأب
احتمال مقاومة الطفل الذهاب لحضانته لبضعة أيام وربما لأسبوع أو لأسبوعين،
كما يطالب الوالدين بأن يتوقعا أيضاً من الطفل نوبات غضب حين يراهما في
ختام يومه الدراسي لكنه يوضح أن الذي يساعد أكثر في ذلك هو إمكانية تسلل
الأم مثلاً إلى فصل الصغير ورؤيتها له قبل أن يراها حيث يكون بمقدور الأم
رؤية ما يفعله صغيرها، فإذا كان الطفل يركز انتباهه على معلمته وهي تقرأ
قصة أو مشغولاً بحوار أو لعب بشكل متفاعل مع طفل آخر أو باللعب بشيء مع طفل
يلهو بلعبة مثلاً فهذه مؤشرات إيجابية وكلها جيدة، أما إذا كان هائماً بلا
هدف أو جالساً في ركن وعلى ملامحه يُخيم شبح الحزن فهذه إمارات غير جيدة.
الانفعال.. هل هو مقلق؟!
بعض الأطفال تحدث لهم نوبات انفعال عاطفي حين يرون
الأم أو الأب لدى وصولهم لروضة الأطفال لإعادتهم للبيت عند نهاية اليوم
الدراسي... فهل هذا أمر يثير القلق؟!
البروفيسور سبارو يقول إن ذلك لا يعني أبداً أن
الصغير أو الصغيرة لم يكن، أو تكن، سعيداً في يومه، وكل ما يقصده الصغير من
ذلك هو التعبير عن افتقاده لك يا أمه أو يا أباه وبوسعه أخيراً أن يغدق
عليك بمشاعره التي كان يحاول كبحها طوال اليوم.
وحقيقة افتقاد الطفل لأمه وأبيه لا تعني أن روضة
الأطفال التي يلتحق بها سيئة أو غير مفيدة له ويمكن هناك للأم أن تؤكد
للطفل افتقادها له أيضا بقولها "وأنت أيضاً أوحشتني وكنت مشتاقة طوال
اليوم لرؤياك لأننا نحب بعضنا ونسعد جدا بوجودنا معا".