الزواج.. نعمة من أجلٍّ نعم الله على خلقه، بل هو
آية من آيات الله التي تدل على كمال عظمته وحكمته, قال تعالى: (وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].
والإسلام جعل العلاقة
الزوجية علاقة متميزة، وبوأها المكانة العالية، فقال صلى الله عليه وسلم:
"إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج" (متفق عليه)، ومن هنا
كان الحفاظ على هذه الرابطة، والتعامل بانضباط متقن بين الزوجين، وإشاعة
أجواء الحب والجسد الواحد، من علامات الزواج الناجح.. سِيَّما وقد توعّد
الشيطان بإغواء بني آدم , والعمل على التفريق بين المرء وزوجه؛ فقد أخرج
مسلم في صحيحه, عن جابر رضي الله عنه قـال: قـال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "إن إبليس يضع عرشه على الماء, ثم يبعث سراياه, فأدناهم منه منزلةً
أعظمهم فتنةً: يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا, فيقول: ما صنعتَ شيئا.
قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرّقتُ بينه وبين امرأته, قال:
فيدنيه منه فيلتزمه ويقول: نِعمَ أنت".
ولكي تبقى جذوة الحب قائمة،
وليرتد شياطين الإنس والجن على أعقابهم صاغرين، وليُحقق الزواج أهدافه التي
شُرِعَ من أجلها، كانت هذه المهارات لزواج ناجح بإذن الله.
الكلام العاطفي الصريح:
إن
تضمين الكلام بمفردات الحُب والألفة والاحترام المتبادل؛ من أقوى علامات
الاستقرار الأسري، بل ومن دعائم تثبيته، فقول "حبيبي" أو "عيوني" أو
"مليك قلبي" أو "سر سعادتي" أو "لو عادت بي الأيام لما قبلت زوجاً
غيرك" أو "الله يجمعنا معك في الدنيا والآخرة" ونحو ذلك يعطي للحياة
الأسرية نكهة خاصة، ويزيل ما قد يعلق من رواسب سلبية لسبب من هنا أو هناك.
ومن
ذلك أيضاً مخاطبة الزوج بما يحب من كُنى أو ألقاب أو ترقيق اسمه أو ترخيمه
أو تدليله ؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم ينادي عائشة بقوله: (يا حميراء)
(الصحيحة/3277)، ويا حُمَيراء؛ لغَلَبة البياض على لَوْنها لسان العرب
(13/431).
الدعابة والابتسامة الحانية:
تُشير
بعض الدراسات: (أن روح الدعابة وسيلة عُظمى للتصدي للضغوطات والقلق، كما
أنها تشعرك بمزيد من الرضا عن حياتك)، ويقول بعض علماء النفس: (عندما يأخذ
الشخص كل الأمور بجدية تتغير حالته المزاجية وأسلوبه في الكلام ونبرة صوته
بل وإشاراته مما يجعله حادَّ الطباع، وقاسياً، مما يزيد الفجوة بينه وبين
الآخرين).
والدعابة من أكبر الوسائل للترويح عن النفوس، وتطييب الخواطر،
وتحقيق الألفة والسعادة والمحبة.. ولقد كان لنا في رسول الله صلى الله
عليه وسلم أسوة حسنة، فقد روى الإمام أحمد في مسنده أن عائشة رضي الله عنها
قالت: إنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ وهي صغيرة، فقال
لأصحابه: "تقدموا"، ثم قال لها: "تعالي أسابقك"، فسبقته، ثم تستطرد رضي
الله عنها: فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبقني، فقال: "هذه
بتلك".
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قالوا: يا رسول الله إنك
تداعبنا. قال: (نعم غير أني لا أقول إلا حقا) (صحيح – مختصر الشمائل).
الغزل والعلاقة الحميمة:
إن الغزل الذي يُعبر عن شدة الحب، والاشتياق، ومقدار
السعادة باللقاء والتواصل، أو الحزن الشديد للبعد والافتراق حين السفر
مثلاً، أو ذكر الصفات الحسنة الخَلْقِية و الخُلُقية، أو غير ذلك من
السلوكيات والمهارات؛ كجميل اللباس، وجودة الطعام، و جمال تنظيم أثاث
المنزل، وحسن تربية الأطفال؛ خير وسيلة لعلاقة زوجية متميزة، بل إن هذه
الكلمات هي أقوى سلاح حين الملمات أو المشكلات التي قد تقع بسبب أو بآخر،
والمرأة على الخصوص أشد ما تكون إلى الكلمات العذبة الشاعرية التي تتناسب
ومشاعرها المرهفة وطبيعتها الأنثوية.
احترام الأفكار و التوجهات والمشاعر:
فلا
شك أنه ينبغي حين اختيار شريك الحياة أن تكون الأفكار والتوجهات متوافقة،
أما وقد تباينت الأفكار والتوجهات ؛ فيجب أن يحترم كل طرف ما لدى الآخر،
وعدم إلزامه بالتغيير، مع إمكانية تبادل الأفكار والنقاشات بشأن هذه
المسألة أو تلك، وهذا خلاف ما لو كانت هذه الأفكار تتعارض والتوجيهات
الشرعية أو الاجتماعية.. كما ينبغي احترام المشاعر، والبعد عن كل ما يجرحها
أو يكدر صفوها، وخصوصاً إن كان هذا الأمر بين آخرين.
الهدايا المناسبة:
الهدية
" مفتاح القلوب " تُستجلب بها المحبة، وتُعزز بها المودة، وتدرأ بها
الضغينة، ولقد أوصانا صلى الله عليه وسلم بالهدية، بل وجعلها سبباً للمحبة،
فقال: (تهادوا تحابوا) (أخرجه البخاري في الأدب المفرد والبيهقي بسند حسن
).
إن باقة ورد، أو بطاقة كُتبت عليها كلمة جميلة، لها
أثر فاعل لدى شريك الحياة، وسيجد المُهدي في مقابل ذلك، ابتسامة مشرقة،
وبهجة في أرجاء عش الزوجية.
احترام أهل شريك الحياة:
فمما
يؤكد المحبة، ويزيد حبل المودة ؛ احترام أهل الزوج أو الزوجة، والانبساط
إليهم، والعمل على التواصل معهم، وتجنب ذكر عيوبهم أو محاولة التنقص من
شأنهم، أو اللمز والغمز بأحد أفرادهم.. بل ينبغي لكل زوج تذكير الآخر
للتواصل مع أهله ومهاتفتهم والتودد إليهم.
ليُعْجَب أحدكما بالآخر:
لنجعل حياتنا الزوجية مهما امتدَّت أيام خُطوبة وبدايات زواج، يعمل كل زوج للخروج بمظهر يَسُر الآخر، ويملأ بها عينه.
الغيرة ولكن بصفتها المحمودة:
فإن
بعض الأزواج يقيسون مكانتهم عند أزواجهم بمقدار غيرتهم عليهم، والغيرة
المحمودة هي ما يدل على شدة المحبة، وأما المذمومة فهي ما كانت معول هدم
للحياة الزوجية، وأفضت إلى التشكيك في شريك الحياة دون مبررات واقعية.
الاهتمامات المشتركة:
التقاء
الزوجين في اهتمامات مشتركة سر من أسرار نجاح علاقتهما ببعض، واستقرار
حياتهما الأسرية، وعليهما العمل لتفعيل تلك الاهتمامات، وتحويلها إلى واقع
عملي في الحياة اليومية.
فن التغافل:
التغافل
وغض الطرف عن بعض الهفوات اللفظية أو الفعلية لشريك الحياة مطلب أساس في
استقرار الأسرة، فالحياة الزوجية مبنية على التلقائية وعدم التكلف، والمرء
يعترضه من هموم الحياة ما يجعله يتصرف في بيته ببعض التصرفات غير المناسبة
أحياناً، الأمر الذي يتطلب احتواء الطرف الآخر له، بل ومنحه شيء من
الحميمية التي تعينه على تجاوز تلك الضغوط أو التصرفات.
العين والأنف والأذن:
تلك
وصية أمامة بنت الحارث لابنتها أم إياس، لما هُيئت أم إياس بنت عوف إلى
زوجها ملك كندة، فمما قالت لها أمامة: (والتعهد لموقع عينيه، والتفقد لموضع
أنفه، فلا تقع عيناه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح، والكحل
أحسنُ الحسن الموجود، والماء أطيب الطيب المفقود ).
وابن عباس رضي الله
عنه يقول: (إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي، وما أحب أن أستنظف كل حقي
الذي لي عليها فتستوجب حقها الذي لها على، لان الله تعالى قال: " ولهن مثل
الذي عليهن بالمعروف") (تفسير القرطبي 3 / 123 ).
إن العناية بما تقع
عليه العين أو الأنف أو الأذن لمن أهم المهمات، فالعين تنظر إلى أماكن قد
لا يتوقعها الطرف الآخر، والأنف يشتم بل وقد يؤثر على حواس المرء الأخرى،
والأذن تطرب بمفردات الحب والعشق والهُيام، والحديث بدلال ورقة، بل وبهمس
أحياناً.
ولذا يجدر التنويع في اللباس في المنزل بين المحتشم أحياناً،
وما يُظهر محاسن المرأة أحياناً أخرى، وكذا الحال في تسريحة الشعر، ونوعية
العطر، وأسلوب الحديث، ومكان الجلوس، ومراتب فراش النوم، وغير ذلك مما يعطي
العلاقة الزوجية شيئا من التجديد والتشويق.
التودد لشريك الحياة:
هناك أعمال يسيرة في حياتنا، ولكنها تُعطي انطباعاً كبيراً بما يكنه للطرف الآخر من حبٍ وود، ومن ذلك:
أولاً: ما يخص الزوجة لزوجها
أ. استقبليه عند عودته من الخارج بابتسامة وقُبلة وترحاب، مع حمل الأمتعة عنه إن وُجدت، وتقديم مشروب مناسب.
ب. شايعيه عند خروجه إلى الباب الخارجي مع الدعاء له، وأشعريه أنك في انتظاره على أحر من الجمر.
ت. أشبعيه عاطفياً، بالقبلة والاحتضان والمفردات الغرامية كلما حانت فرصة لذلك.
ث. لا يرى منك إلا أجمل لباس، ولا يشتم منك إلا أطيب ريح.
ج. أرسلي له بين الفينة والأخرى من رسائل الحب والغزل ما يؤكد الصلة بينكما.
ح. اهتمي برائحة المنزل وبالأخص غرفة النوم، وكوني كل ليلة عروساً، ولا تسبقيه إلى النوم إلا للضرورة.
خ. اهتمي بمظهره وملبسه حين رغبته الخروج من المنزل، وكذا تأمين احتياجاته في حينها.
د. انقعي قدمي زوجك في إناء من الماء الدافئ لمدة عشر دقائق، ثم جففيها، وقَلِّمي أظفاره وابرديها.
ثانياً: ما يخص الزوج لزوجته
أ. امتدح ما تُقدمه لك من طعام أو ترتيب أثاث المنزل ونحو ذلك.
ب. قَبِّل رأسها إن قَدَّمت لك جهداً متميزاً، كاستقبال ضيوفك أو الاحتفاء بأسرتك.
ت. اصطحبها لتناول ما تَشتهيه في أحد المطاعم العائلية.
ث. عوّد أبناءك ألا يتقدموا والدتهم حين الأكل أو الدخول والخروج من المنزل، أو رفع الصوت عليها ونحو ذلك.
ج. ساعدها في أعمال المنزل، وتربية الأطفال ولو يسيراً ؛ فالتعاون دفء للحياة الزوجية.
ح. اخرج بأطفالك الصغار عند انشغالها تخفيفاً عنها.
خ. أنجز متطلبات المنزل الخارجية في حينها.
د. خصص جلسة بين الحين والآخر تستمع منها لاهتماماتها وأحوالها اليومية.
ذ. ترفق بها جيداً، وتجاوز عمّا يبدر منها، خصوصاً أثناء فترتها الشهرية، أو أثناء الحمل أو النفاس، أو المرض.
ر. امنحها هامشاً جيداً في اختيار الأمور الحياتية كنوعية الأثاث أو أماكن الترفيه ونحو ذلك.
ز. حثها على إكمال تعليمها، وتطوير ذاتها، واستثمار هواياتها، وحضور المحاضرات والدورات المفيدة.
س. أخبرها بمشاعرك تجاهها، ومكانتها في قلبك أثناء سفرك عنها، وتواصل معها بالاتصال بين الحين والآخر.
ش. إذا رأيت زوجتك بين أخريات، اطلبها، واهمس في أذنها (رأيتكِ أجمل الموجودات ).
ص. اتصل عليها من عملك، وأخبرها أنها لم تفارق ذاكرتك مع انشغالك بعملك.
ض. اعمل بسنن الفطرة: ، مع التعاهد للاستحمام، ومزيل العرق، وفرشاة الأسنان.
ط. للبشرة لغة في إيصال المشاعر، ولذا اجعل كفك على كفها أو شعر رأسها أو كتفها عند الحديث بينكما.
أمور مشتركة:
أ. إرسال رسالة جوال بين الفينة والأخرى فيها من معاني الحب والاشتياق.
ب. تأتم الزوجة بزوجها بين الحين والآخر بصلاة الليل أو الوتر أو الضحى.
ت.
ليذكر كل زوج الآخر بفضائل بعض الأعمال في وقتها (قراءة سورة الكهف، صلاة
الوتر، صلاة الضحى، الدعاء آخر ساعة من الجمعة، أو عند نزول المطر، ونحو
ذلك ).
ث. القراءة سوياً في كتاب ولو لزمن يسير، مع التشاور عن أبرز الفوائد فيما تمت قراءته.
ج. استقبال ما يرد إليهما من بعض بعبارات الشكر والثناء مهما كانت قيمته المادية.
ح. مدح شريك الحياة أمام أهله مع إيضاح بعض مزاياه الإيجابية.
خ. ليشعر كل طرف الآخر بأنه جزء من حياته، وأنه لا يتصور كيفية الحياة من دونه.
د. تغطية أحد الزوجين للآخر مع تقبيله إن رآه نائما من غير لحاف.
ذ. وضع الوسادة لشريك الحياة إن أراد الجلوس، ووضع اللقمة في فمه.
ر. الحرص على الظهور بالجميل من اللباس في المنزل، كما نحرص عليه عند الخروج.
ز. لتكن لكما جلسة فيها من الضحك والدعابة ترويحاً للنفوس وتطييباً للخواطر.
س. كن مستمعاً جيداً، وانظر إلى شريك حياتك حين حديثه مبدياً بالغ الاهتمام.
ش. أعد أدواتك إلى مكانها الصحيح مباشرة، واعمل على بقاء مقر سكناكم في أبهى صورة.
ص. نظرات العيون الخالصة من أبرز وسائل الإشباع العاطفي.
ض. ليكن لكما إنتاج مشترك: (التخطيط المالي للأسرة، تنظيم أثاث المنزل.. إلخ ).
ط. تحين أوقات الإجابة للدعاء لشريك الحياة، والدعاء باستقرار حياتكما الزوجية.
وبعد..
جاء في كتاب " حان الوقت لزواج أفضل ":
(وقد أظهرت الأبحاث أن أكثر من 70% من تواصلنا غير لفظي. وإذا لم تُفهم
الرسالة، فالاحتمال الأكبر أن هناك خللاً في سلوكنا غير اللفظي، لذا يصبح
من الضروري أن ننتبه إلى رسائلنا غير اللفظية، والتي نعبر عنها بنبرة
الصوت، واللمس، وتعبير الوجه، ونظرة العين، وحركة الجسم. ولكي نقوي من
حساسيتنا وقدرتنا على فهم الرسائل غير اللفظية، دعونا كأزواج نمضي خمس
دقائق في هذا التدريب) أ.هـ.
ونحن نرى أن التواصل العاطفي بين الزوجين في مطلع
الحياة الزوجية يكون قوياً متدفقاً يتميز بدفئه وحميميته، ثم يبدأ في
التراجع حتى لا يكاد يُشعر به، والسبب حسب المراقبين في مطلع الحياة
الزوجية أن نظرات العين، ولمس الكفين، والمسح على الشعر، والطعام الذي
يقدمه أحد الزوجين للآخر، وأثاث المنزل، وكل تصرف وإن كان يسيراً ينظر له
الطرف الآخر بصورته الإيجابية، ويعتبره تعبيراً عن الحب من شريكِ حياته أما
مع مرور الوقت فلا يُحتسب إلا ما كان لفظياً، وهو بحسب ما جاء في كلام
الباحثين (30%) فقط، وما عداه وهو الجانب الأكبر من تواصلنا وتصرفاتنا غير
اللفظية، والبالغة: (70%) فلا تُحتسب من الحب.. فأثاث المنزل، والرحلات،
وتأمين الاحتياجات، والمصروفات اليومية، بل والزيارات العائلية، وإنجاز
الأعمال، ونحو ذلك كله يتحول إلى مسمى واجبات، ولا يمكن اعتباره تعبيراً عن
الحب ومن هنا.. هي دعوة لكل زوجين، لتفعيل التواصل، وللنظر إلى كل جهد
إيجابي بأنه تعبير عن الحب، والحب فقط.