دخل قانون "حظر النقاب" في بلجيكا حيز التنفيذ على المستوى الوطني بداية
هذا الأسبوع، فيما نبهت سفارات عربية المسافرين لضرورة مراعاة تطبيقه، لكن
القصة اللافتة كانت توقيف صحافية تنكرت بزي محجبة لتختبر ردود فعل مواطنيها
ولتحاول فهم مسوغات القانون الجديد.
وبحسب تقديرات غير رسمية، ثمة
نحو 200 امرأة منقبة في بلجيكا، لكن الامر لا يتعلق فقط بهذا العدد، بل
أيضا بمنقبات قد يزرن بلجيكا كسائحات.
ونبهت السفارة الكويتية في
بروكسل مواطنيها الى تداعيات القانون، ناصحة اياهم بمراعاته، لكن ناطقا
باسم السفارة قال إن التحذير "روتيني"، وهو على شاكلة النصائح التي تقدمها
السفارات للمواطنين حول قضايا تتوجب عليهم مراعاتها، مشيرا إلى أن الأمر
يأتي "من واقع مراعاة مصالح المواطنين، وكي لا يفاجأوا بتطبيق القانون"
الجديد.
الجدل الكبير الذي أحاط بعملية تشريع القانون واقراره، جاء
اساسا من كونه صار قانونا ملزما على المستوى الوطني. لكن عمليا كان "قانون
حظر النقاب والبرقع"، كما شاعت تسميته، مطبقا في بعض نواحي بلجيكا منذ
سنوات، وذلك استنادا إلى الاستقلالية التي تحظى بها البلديات، ما أجاز لها
فرض "عقوبات إدارية" على المنقبات، تتولى شرطة البلدية متابعة تطبيقها.
الجدل
حول هذا القانون قاد صحافية بلجيكية إلى التنكر بزي امرأة منقبة، في
محاولة لاختبار تأثيره بعدما صار قانونا وطنيا، ولفهم لماذا تسبب "قطعة
ثياب" كل هذا النقاش، كما كتبت وهي تسرد تجربتها في جريدة "ستاندارد"،
الواسعة الانتشار والناطقة بالهولندية.
وفي مقال طويل، أوردت ليفا
فان دو فيلدا دوافعها لتلك المغامرة، وتساءلت "أريد أن أعرف لماذا يقابل
ارتداء قطعة ثياب بالعقوبة، وكيف تشعر المرأة عندما ترتديها (النقاب)".
لتنفيذ
تجربتها، لجأت الصحافية إلى أكبر شارع للتسوق في مدينة أنفير، ثاني مدن
بلجيكا والتي تحظر بلديتها النقاب مسبقا، وشكل ما حصل معها "بروفة" لما
يمكن أن تتعرض له امرأة منقبة، حيث لم تحتج إلى المشي أكثر من 500 متر حتى
تمثل أمامها كل عواقب تجربتها.
وأوقفت عناصر من الشرطة الصحافية
مرتين، في الأولى حذرها رجلان من أنها تعرض أمنها للخطر نتيجة "الاستفزاز"
الذي تشكله للناس، وفي الثانية كانت نهاية التجربة، حيث خيرها عناصر اخرون
من الشرطة آخرين بين أن تصعد الى شاحنتهم وتنهي تنكرها، وبين أن تعرض نفسها
للاحتجاز 12 ساعة ولمخالفة.
وتصف الصحافية ردود فعل الناس، متحدثة
عن "نظرات استنكار، فضول وكراهية. وشوشات وأصابع تشير الي. مشاة عاديون
يصورونني"، وتضيف "سمعت بعض المارة يقولون: لماذا يفعل هذا الشيء هنا".
أما
عن التجربة "النفسية" من داخل النقاب، فتصف الصحافية تواصلها مع أصحاب
متاجر دخلت إليها، وتقول "إذا لم تكن تعابير الوجه موجودة (كما عند ارتداء
النقاب)، يفقد جزء هائل من التواصل الانساني".
لكن اللافت في ما حصل
مع الصحافية المتنكرة أن الشرطة لم توقفها نتيجة مرورها بالمصادفة، بل بعد
مبادرة عدة أشخاص للاتصال ب"شرطة النجدة"، معبرين عن خوفهم من "ظهور امرأة
مشبوهة في الشارع"، وهو ما أدى إلى تعقبها بسيارتي شرطة وأربعة عناصر.
وبعدما
أوقفتها الشرطة في الشارع، وحذرها أحد أفرادها بالقول "هل أنتم واعون بحجم
الاستفزاز الذي تسببونه"، تصف الصحافية ردود فعل المارة، وكيف صرخت امرأة
في الثلاثينات موجهة كلامها للشرطة "أعطوها مخالفة كبيرة".
ومع دخول
القانون حيز التنفيذ، صارت بلجيكا البلد الثاني في أوروبا الذي يحظر
النقاب، بعد فرنسا التي تطبقه منذ نيسان/ابريل الماضي، لكن تطبيق القانون
ليس القاسم المشترك الوحيد بين البلدين في هذه القصة، بل أيضا الشخصيات
التي برزت في معارضته.
وأعلن رشيد نكاز، رجل الأعمال الفرنسي ذو
الأصول الجزائرية، أنه يتعهد دفع المخالفات التي ستحررها الشرطة في حق
المنقبات البلجيكيات، بعدما كان تعهد بالأمر ذاته في فرنسا، مخصصا صندوقا
من مليون يورو لهذا الغرض.
وجاء بيان نكاز في اليوم الأول لتطبيق
القانون، ونشرت بيانه وكالة الانباء الرسمية "بيلغا"، معتبرا أن حظر النقاب
"انتهاك واضح لمبادئ الحريات الأساسية وللدستور الأوروبي"، رغم تأكيد
الرجل بأنه، على المستوى الشخصي، من معارضي ارتداء النقاب.
ويعرض من يخالف قانون الحظر الوطني نفسه إلى عقوبة تصل إلى سبعة أيام سجن، ودفع غرامة مالية حدها الأقصى حوالى 140 يورو.
وانتقد
توماس همربرغ، مفوض حقوق الانسان في البرلمان الأوربي القانون معتبرا أن
"الحظر بدلا من أن يحرر النساء، فهو يعزل ويسبب وصمة للواتي يلبسن البرقع
أو النقاب".
وأرجع همربرغ الجدل الذي أحاط بالقانون إلى
"الاسلاموفوبيا" (رهاب الاسلام)، وقال إن "الأحكام المسبقة حول المسلمين
تستمر في تقويض روح التسامح في أوروبا".
لكن القانون محط الانتقاد لا يذكر صراحة لا الاسلام ولا المنقبات، بل يتحدث عن "الثياب التي تغطي أغلب الوجه أو كامله".
ويشمل
الحظر كل ما يمكن أن يعيق تحديد هوية الأشخاص في الأماكن العامة، واستثنى
عدة حالات: خوذة الدراجة النارية والقناع الحامي الذي يضعه عاملو لحام
المعادن، والمتنكرون في المناسبات الاحتفالية كما حالة "سانتا كلوس"، إضافة
إلى المشاركين في الكرنفالات.