مقهى الموقع الأثري يستقطب زوارا من داخل المغرب وخارجهفي الوقت الذي يختار البعض قضاء أوقاتهم أثناء فصل الصيف على رمال
الشواطئ وبمحاذاة المصطافات الصيفية، يلجأ آخرون إلى أماكن تبدو أكثر هدوءا
وأقل صخبا كما هو شأن فضاء الأوداية الأثري بالرباط.
هذا الفضاء المجاور لنهر أبي رقراق أضحى يستقطب طيلة اليوم المئات من
الزوار، سواء من سكان المدينة ونواحيها، أو
المتحدرين من مدن أخرى، وكذلك القادمين من أرض المهجر والسياح الأجانب،
وبات بذلك ملاذا للباحثين عن فضاءات هادئة لا تعرف اكتظاظا كبيرا.
وما
يزيد إقبال هؤلاء الزوار على الفضاء التاريخي موقعه الاستراتيجي وقربه من
وسط المدينة، ما يتيح لهم إمكانية الوصول إليه بسهولة سواء بسياراتهم أو
عبر وسائل نقل عمومية، أو مشيا على الأقدام للقاطنين بقربه رغم الارتباك
والاكتظاظ في حركة المرور خاصة في عطلة نهاية الأسبوع، ما يجعل عملية عبور
الشارع أمرا غاية في الصعوبة.
ويتجه مرتادو فضاء الأوداية الوالجين من
بوابته الواقعة على بعد أمتار من "باب الأحد"، مباشرة إلى الجهة اليمنى حيث
تمتد حدائق يستمتع كثيرون بظلال أشجارها وترتادها نساء ليتجاذبن أطراف
الحديث، بينما يسرق عشاق لحظات من الرومانسية بين أشجارها مختفين
عن
الأنظار.
وتقضي بعض الأسر داخل الفضاء وقتا يتجاوز أحيانا ثلاث ساعات
هروبا من حرارة فصل الصيف والتهاب أسعار المطاعم والمقاهي التي تعرض
خدماتها بأثمان لا تلائم قدراتهم الشرائية.
"أفضل ارتياد فضاء الأوداية
حيث يلعب أبنائي ولا أضطر إلى صرف كثير من المال، بما أنني أحضر معي
سندويشات محضرة في المنزل وبسكويتا لإعطائهم إياها كلما شعروا بحاجة إلى
الأكل"، تقول الأم فاطمة القادمة من مدينة سلا عبر سيارة الأجرة الكبيرة
رفقة أبنائها الثلاثة إلى الفضاء الأثري.
وللاستمتاع أكثر بفضاء
الأوداية والتقاط صور تذكارية بمحاذاة نهر أبي رقراق يفضل البعض ارتياد
المقهى الواقع بوسطه، حيث يتسابق الزوار للجلوس على الموائد المطلة مباشرة
على النهر ويتابعون هواة يمارسون رياضة "جيت سكي" على ضفاف نهر أبي رقراق
أو آخرين فضلوا الذهاب في جولة عبر النهر بواسطة قارب.
ولعل ما يميز
المقهى بساطته وشعبيته، إذ يعكس أحد أوجه الثقافة المغربية المتمثلة في
عادة شرب الشاي المحضر بالطريقة التقليدية المغربية، كما أن تصميمه يساهم
في استقطاب عدد كبير من الزوار.
بمجرد جلوس الزبائن إلى المائدة يتجه
صوبهم أحد النادلين اللذين يحملان أطباقا ممتلئة بالحلوى التقليدية
المغربية والمصففة بعناية فائقة، مثل "كعب غزال" و"غريبة" و"البريوات"
وغيرها من الأصناف المحضرة باللوز، ليختاروا قطعة أو قطعا منها يبلغ ثمن
الواحدة سبعة دراهم.
"كورن دو غازيل، حلوى بدون سكر، حلوى باللوز..."،
هكذا يعرض بائع الحلوى/ النادل سلعته على زبائن من جنسيات مختلفة، متحدثا
إليهم تارة باللغة الفرنسية وتارة أخرى بالإنجليزية لإقناعهم باقتناء قطع
من الحلويات المغربية يتقاضى ثمنها فورا بعد وضعها في طبق زجاجي أمامهم،
ولا يفوته أن يضع إلى جانبه بطاقة مكتوب عليها عنوان متجر الحلويات
التقليدية.
بدت علامات الاستغراب على زوار أجانب من ثمن القطعة الواحدة
من الحلوى ولم يكن أمامهم سوى اقتناء قطعتين بعد إلحاح من بائعها، فيما
اعتذر الآخرون قائلين له إنهم يتبعون حمية غذائية واكتفوا باحتساء كؤوس
الشاي بالنعناع.
بالجبادور الأزرق المطرز بالأصفر والبلغة التقليدية
والطربوش الأحمر وحقيبة يدوية تقليدية، يتجه نادل متقدم في السن مكلف
بتقديم المشروبات، نحو الزبائن القادمين للتو إلى المقهى ليختاروا ما بين
شرب كأس شاي بالنعناع الأخضر وثمنه عشرة دراهم أو مشروب غازي لا يتأخر في
إحضاره وتقاضي أجره مباشرة قبل احتسائه.
وإذا كان الفضاء يستهوي الزوار
المغاربة والسياح فإنه يشكل مورد رزق بالنسبة إلى بعض التجار الموسميين،
منهم باعة ورود يقفون بمحاذاة بوابة الموقع الأثري، وينتقون زبائنهم
بعناية، إذ لا يتجهون إلا صوب العشاق، إلى جانب نقاشات يعرضن خدماتهن على
زبائن المقهى، فيما أخريات يفضلن الجلوس أمام بوابة الفضاء لتزيين أيادي
وأرجل زبوناتهن بالحناء، وكذلك رجال راغبين في وضع الحناء على شكل وشم يزين
أكتافهم أو أذرعهم.
وعلى بعد أمتار من فضاء الأوداية الأثري تقضي بعض
العائلات قليلا من وقتها في حديقة الملاهي، التي تتيح لأطفالها الاستمتاع
بأوقات من المرح والسعادة وهم يلهون في ألعاب مختلفة، تجمع بين المتعة
والإثارة.
أمينة كندي