دواوير تعيش العطش والعزلة والتهميش وأخرى أرغمت على سرقة الكهرباءلم تعد من سبل لفك العزلة على سكان مجموعة من دواوير الجماعة القروية
مليلة التابعة إلى تراب إقليم ابن سليمان، فالقرويون بالمنطقة والجوار
أصبحوا محاصرين داخل سجن بدون سقف، بسبب المسالك الوعرة، بعد أن هدمت
القناطر وتدهورت الطرق وأسقف وجدران بعض المؤسسات التعليمية، إذ تعذر عليهم
نقل مرضاهم إلى المستشفيات القريبة، وتشييع جثامين
موتاهم وتعليم أبنائهم، والتواصل مع العالم الخارجي من أجل إنجاز خدماتهم
اليومية. وطالبت مجموعة منهم في تصريحات متفرقة ل»الصباح» بضرورة التحقيق
في مشاريع القناطر والطرق المنجزة أخيرا، ولم تصمد أمام الأمطار الأخيرة،
فضلا عن المشاريع الجارية والعالقة، إذ تحولت منطقة المذاكرة إلى منطقة
منكوبة، حيث المشاريع الفاشلة والمتعثرة والعراقيل الوهمية التي تقف أمام
تنمية المنطقة وتحقيق تنمية للسكان المطالبين بتأمين كافة متطلبات حياتهم،
من ماء شروب وكهرباء ومسالك تفك عزلتهم.
وأشاروا في تصريحات ملؤها
الإحباط والغضب إلى العزلة التامة التي أصبحت عليها منطقة مليلة بسبب تدهور
الطرق الأساسية الضامنة لتواصل السكان مع محيطهم الخارجي، في اتجاه مدينتي
الكارة وابن سليمان وفي اتجاه الجماعة القروية الطوالع، إذ تحدثوا عن
التدهور التام للطريق الرابطة بين مدينتي الكارة وابن سليمان مرورا بمنطقة
الثلاثاء الزيايدة، والتي طالبوا بإصلاحها بداية التسعينات، حيث كان حينها
وزير النقل والتجهيز مجرد مدير إقليمي للتجهيز بابن سليمان، متسائلين عن
مصير المبالغ التي كانت مرصودة لإصلاحها والتي ذكرت مصادر «الصباح» أنها
تمت إعادة برمجتها على أساس توسيع عرض الطريق إلى ستة أمتار، وأن وزارة
التجهيز قررت تخصيص الغلاف المالي لإصلاح وتوسيع جزء من الطريق، وهو
الفاصل بين مدينة ابن سليمان وثلاثاء الزيايدة، في انتظار تخصيص أرصدة
لباقي أجزاء الطريق التي يستحيل السير فوقها بسبب الحفر وضيق الطريق.
كما
أشاروا إلى تدهور الطريق الرابطة بين مليلة وأولاد علي الطوالع (5.5
كيلومترا)، وتدهور المسالك في اتجاه مجموعة من المدارس التعليمية، التي
تغلق أبوابها بمجرد تهاطل الأمطار، موضحين أن المسالك المؤدية إلى مدارس
(أولاد سليمان والطناجة والرويسات والكركور) مازالت مقطوعة، وأن الجماعة
تعمل سنويا على إصلاح مسالك المؤسسات التعليمية باستعمال وسائلها المتواضعة
واعتمادا على تربة (التوفنة) التي لا تصمد في وجه الأمطار.
دواوير تعيش العطش أرغمها التهميش على سرقة الكهرباء
لم
يستفد أزيد من 60 في المائة من سكان المنطقة بعد من الماء الشروب، وفئة
كبيرة منهم تعاني العطش وندرة مياه شرب البهائم والغسيل، ويضطرون إلى
التنقل عشرات الكيلومترات من أجل التزود بالماء الشروب، يقع هذا على بعد
حوالي عشرين كيلومترا من مدينة ابن سليمان، فيما 30 في المائة من سكان
المنطقة لم يستفيدوا من الكهرباء.
ولعل صبر السكان نفد بعد طول انتظار
دون جدوى، إذ بادر سكان دواري حمداوة والمناصرة التي بها (أزيد من 600
كانون)، إلى خرق القانون وتزويد مساكنهم بالكهرباء بدون ترخيص رسمي من
المكتب الوطني للكهرباء، مما يعني أن السكان الذين كانوا ومازالوا مستعدين
لتأدية ما تيسر من نقود لأداء مقابل استهلاكها للكهرباء، أرغمت على استهلاك
الكهرباء بالقوة ومجانا، ولم تفلح كل الجهات المعنية من مسؤولي الجماعة
والسلطات المحلية ولا المكتب الوطني للكهرباء في الوقوف أمام خرقهم العلني
للقانون بالتزود مجانا وبدون أدنى حماية للكهرباء، كما لم تبادر الجهات
المعنية للبحث عن الجهة التقنية والخبيرة التي مكنتهم من التزود بالكهرباء،
ولا إلى تسوية ملفهم الذي طال أمده، فالمكتب الوطني للكهرباء وحسب مصدر
«الصباح» قام بنصب الأعمدة والأسلاك الكهربائية ومازال ينتظر التوصل بملغ
150 مليون سنتيم من أجل الترخيص للدوارين بالربط بالكهرباء، والجماعة تنتظر
أن يبادر قسم الجماعات المحلية بوزارة الداخلية لدفع المبلغ المطلوب.
الفلاحون بين مطرقة المطر وسندان التهميش
وعن الحالة الاجتماعية والاقتصادية للفلاحين بالمنطقة، ذكرت مصادر
«الصباح» أن أكبر مشكلة تواجه فلاحي المنطقة الذين يعيشون على الزراعة
البورية وتربية المواشي، تتمثل في عدم دعم الدولة للعلف والأسمدة والبذور
والوقود، موضحين أن مجموعة كبيرة منهم أصبحت ترغب في بيع أبقارها وعدم
الاستثمار في مجال إنتاج الحليب واللحوم الحمراء. وأكدوا أن تخفيض أسعار
الحليب واللحوم والحبوب يوجب ضمنيا دعم الفلاحين المنتجين من أجل اقتناء
العلف والأسمدة والبذور والوقود بأثمنة تفضيلية.
فضلا عن ذلك، يعيش
فلاحو المنطقة مأساة حقيقية هذا الموسم، بعد أن تعرض المحاصيل الزراعية
لمعظمهم للتلف، وتضررت الحبوب، ولم تتمكن فئة كثيرة منهم من تسويق محصولها،
فيما اضطرت مجموعة أخرى إلى بيع محاصيلها بأثمنة هزيلة، كما أصبح معظم
الفلاحين مهددين بعدم استغلال أراضيهم الزراعية خلال الموسم الفلاحي المقبل
بسبب غياب البذور وارتفاع أثمانها وفقرهم الذي تضاعف.
يقع كل هذا
والمدير الفلاحي بالمدينة عوض أن يشكل لجنة لدراسة أوضاع الفلاحين وتقييم
الحصيلة والاجتماع بهم من أجل إيجاد مخرج لتسويق محاصيلهم وتدبير طرق
لدعمهم ماديا، ومن أجل توفير بدور الموسم المقبل، اختار أن يغيب عن مكتبه
ويتفرغ لرئاسة لجنة تنظيم موسم سيدي محمد ابن سليمان، الذي ينظم في الفترة
الممتدة بين 18 و24 يوليوز الجاري، والبحث عن الفرق الغنائية الشعبية
لإحياء سهرات الموسم.
من جهة أخرى، أكدت مصادر «الصباح» أن مجموعة من
الفلاحين المسجلين من أجل الاستفادة من برنامج غرس شتلات الزيتون غير راضين
عن طريقة تدبير هذا الملف، وخصوصا فلاحي منطقة بئر النصر الذين قطعوا أزيد
من 50 كيلومترا من أجل لقاء المدير، فقيل لهم إنه (مشغول مع الموسم)
وجالسهم أحد موظفيه لأزيد من ساعة ونصف دن جدوى.
المرضى ينتظرون الموت البطيءمعاناة سكان الجماعة شملت كذلك النقص الحاد في الموارد البشرية الطبية
وتوفر الجماعة على سيارة إسعاف واحدة فقط، تابعة إلى الجماعة، تستفيد منها
أربع جماعات قروية (أحلاف، أولاد علي، الردادنة، مليلة)، في الوقت الذي
تزايد فيه عدد المرضى بالكلي في المنطقة، والذين هم في حاجة إلى حصص لتصفية
الدم أسبوعية أو نصف أسبوعية، ذلك أن عدد المرضى بالجماعات الأربع بلغ 25
مصابا بالقصور الكلوي، تعمد أسرهم إلى بيع ممتلكاتها المتواضعة والبحث عن
المحسنين من أجل توفير العلاج لهم، فيما اضطر بعضهم إلى ترك مرضاهم عرضة
للموت البطيء.
بوشعيب حمراوي (ابن سليمان)