قرر آلاف الأئمة في مساجد المغرب شد الرحال إلى بعض بلدان المشرق العربي
خاصة الإمارات العربية المتحدة وقبلها الكويت، للعمل في مساجدها كأئمة وفق
دوام كامل وعدد من الامتيازات المادية والاجتماعية المغرية.
وانتقد مراقبون التماطل الرسمي في تلبية حاجيات هؤلاء الأئمة، الأمر
الذي دفعهم إلى البحث عن آفاق أخرى تتيح لهم عيشا كريما، مما ينذر بحدوث
نقص كبير في مساجد البلاد، لكون المهاجرين هم من خيرة أئمة وقراء القرآن
الكريم في المغرب.
وتأتي هذه الهجرة شبه الجماعية إلى مساجد
المشرق العربي في سياق تردي أوضاع الأئمة المادية والاجتماعية، خاصة بعد أن
أعياهم انتظار تسوية ملفاتهم وتحقيق مطالبهم من طرف الوزارة المعنية
بشؤونهم، فدشنوا احتجاجات في شوارع العاصمة الرباط انتهت بعضها إلى تعنيف
السلطات لهم.
إيجابيات الترحال
وهاجر أكثر من ثلاثة آلاف إمام
إلى مساجد الإمارات خاصة لإحياء ليالي رمضان بصلاة التراويح، بعد أن
توفقوا في اختبارات أجرتها لهم جهات إماراتية في الرباط، تتعلق بمدى
استيعابهم لبعض الأمور الفقهية، فضلا عن قوة حفظهم للقرآن وترتيلهم له
بالطريقة المغربية التي يحبذها أهل المشرق العربي.
ويرى الداعية
والخطيب الدكتور عبد الرحمان بوكيلي في حديث مع "إسلام أون لاين" أن هجرة
هؤلاء الأئمة إلى مساجد بلاد المشرق العربي يشتمل على إيجابيات وسلبيات،
كما يطرح في الآن نفسه بعض التحديات على العديد من الأطراف.
وبحسب
بوكيلي، فإن أهم إيجابيات هذا الترحال هو الانفتاح على باقي بلاد العالم
الإسلامي، وخدمة القرآن الكريم فيها، والتعاون مع المؤمنين والمسلمين حيثما
حلوا وارتحلوا، باعتبار أن هذه الأمة أمة واحدة وتدين بدين واحد، وكتابها
الأسمى كتاب واحد وهو القرآن الكريم.
ومن الإيجابيات الأخرى،
يضيف بوكيلي، إمكانية انفتاح أئمة المساجد في المغرب على الآخرين، حتى
يتعرفوا على أشياء جديدة ما كانوا ليعرفونها في بلدانهم، من قبيل الانفتاح
على مختلف المذاهب الإسلامية الأخرى، فضلا عن شحذ هممهم وعزائمهم في الرقي
بقدراتهم ومستوياتهم في مجال القراءات القرآنية والعلوم المتصلة.
وتابع المتحدث قائلا: ومن الإيجابيات الأخرى أن هؤلاء الأئمة يحصلون على
منافع مالية معتبرة، وهذا ليس فيه أدنى حرج لكونهم يؤدون مجهودات تستحق
المكافأة عليها، مشيرا إلى أن الله تعالى قال في محكم بيانه: " ليس عليكم
جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم.. ".
عواقب الهجرة
وسرد الداعية المغربي سلبيات هذه الهجرة لأئمة المساجد في المغرب إلى
الإمارات والكويت وغيرهما، حيث إن أولاها تتمثل في زهد حملة القرآن الكريم
في بلدهم، لشعورهم بأنهم لم يجدوا الآذان المنصتة لمشاكلهم، والجهات
القريبة من أوضاعهم المعيشية.
وأردف المتحدث أن الأئمة أضحوا
ينتظرون أية فرصة ليُولوا وجوههم نحو بلد يعطيهم المزيد من العناية
والتكريم المادي والمعنوي، وهي مسألة خطيرة أن يتولى المرء عن بلده، على حد
تعبير المتحدث.
وأما السلبية الرئيسية الثانية، وفق بوكيلي،
فتتجلى في حرمان المصلين المغاربة من أصوات هؤلاء الأئمة المهاجرين، الشيء
الذي يُحدث ثغرة في مساجد البلاد، خصوصا أن المغادرين هم من أجود القراء
المهرة.
وزاد بوكيلي: المشكلة الثالثة التي ترتبط بهجرة هؤلاء
الأئمة تتمثل في حرمانهم من طلب العلم والاستمرار فيه، باعتبار أن عددا
كبيرا منهم هم من طلبة المدارس العتيقة، وهذا يعد بمثابة قطع طريق طلب
العلم عنهم، فهم أحوج الناس على العلم من غيرهم.
تحديات مطروحة
واستطرد الدكتور عبد الرحمان بوكيلي مبرزا بضعة تحديات تقف في وجه طرفي
القضية، سواء أمام الوزارة الوصية وهي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ،
أو أئمة المساجد الذين هاجروا بكثافة نحو مساجد بلاد المشرق العربي.
فأما التحدي الذي يواجه مدبري الشأن الديني فيكمن في ضرورة المزيد من
إيلاء العناية بالأئمة والقيمين الدينيين في مساجد المملكة، مشيرا إلى أنه
بالرغم من أن ملفهم عرف تطورا وتحسنا نسبيا، لكنه يظل غير كاف.
وأوضح بوكيلي أنه لا يُعقل أن يكون الدعاة والفقهاء وأئمة المساجد في منزلة
أدنى من المثقفين والموظفين، لكون هذا الوضع يعد إهانة معنوية بالغة
لحَمَلة وحَفَظة كتاب الله تعالى، مما يعد إجحافا في حقهم وإنقاصا من قدرهم
العالي.
أما التحدي المرفوع في وجه أئمة المساجد فيتجسد في تحدي
الجودة والرقي بمستواهم العلمي والأخلاقي، مبديا أسفه حين يجد فقيها لا
يفلت من كتاب الله حرفا واحدا من شدة حفظه، لكنه لا يفهم ولا يدرك شيئا
فيه.
مجبرون لا أبطال..
ويقول صابر، في بداية عقده الثالث، وهو أحد الأئمة الذين تم انتقاؤهم من
طرف جهات إماراتية للعمل في بيوت الله في ذلك البلد، في تصريح لـ "إسلام
أون لاين"إن أئمة المساجد في المغرب مجبرون لا أبطال، مشيرا إلى أنه لولا
الضيق والحيف الذي عانوا منه طيلة سنوات كثيرة، لما فكروا لحظة واحدة في
مغادرة البلاد.
واسترسل الإمام أن فرصة الاشتغال في مساجد الكويت
والإمارات وغيرهما مناسبة لا تعوض، باعتبار الامتيازات الجيدة وظروف العيش
الكريم، فالراتب هناك يصل إلى حوالي 20 ألف درهم مغربي، وهو راتب لا يمن
مقارنته بتاتا بالأجر الذي يتلقاه الأئمة في المغرب، وهو 800 درهم كل شهر.
ووفق بيان حصل إسلام أون لاين على نسخة منه، اعتبرت "التنسيقية الوطنية
لأئمة المساجد"، أنه من بين العوامل التي دفعت بالأئمة إلى الانكباب على
الهجرة إلى مساجد الإمارات هو تحسين ظروفهم المادية بعد أن ووجهوا بالقمع
والتنكيل في شوارع الرباط.
وبحسب بيان التنسيقية ذاته، فإن معظم الأئمة المهاجرين هم من خيرة
الأئمة والقراء، وبعضهم تم توقيفه بطريقة عشوائية، وآخرون أعياهم تقديم
الطلبات من دون جدوى، ولا حتى جواب مقنع كأنهم ليسوا أبناء لهذا الوطن".
وشهدت قضية أئمة المساجد وعلاقتهم المتوترة مع الوزارة الوصية على القطاع
الديني بالبلاد، مستجدا يوم الثلاثاء المنصرم، يتمثل في تأسيس الجمع العام
التأسيسي للرابطة الوطنية لأئمة المساجد في المغرب، وهو أول إطار ينظم
ويمثل هذه الفئة من العاملين في المجال الديني بالمغرب.
وأكد
الأئمة والخطباء، المجتمعون في مدينة ورزازات جنوبي البلاد، على الاستمرار
في دورهم الهام الذي يقوم به القيمون الدينيون، من أئمة ووعاظ ومؤذنين،
اعتبارا لرسالتهم السامية في المجتمع، الذي تشكل فيه القيم الدينية وعاء
حضاريا يحفظ وحدة الأمة وتماسكها، ويصون مبادئها وقيمها العليا، و العناية
بالقيمين الدينيين، ورعاية حرمتهم والاهتمام بأوضاعهم الاجتماعية.