"ليست غزة هي التي قهرت الطاغية مبارك، ولكن إرادة الله هي التي تدخلت
بسبب الذنوب التي قام بها في حق غزة وأهلها، بعد أن ساهم في حصارها جوا
وبحرا وبرا ووضع الحاجز الحديدي لإيقاف عمليات الأنفاق، التي يتعيش بها
أهلها".
تلك كانت عبارة عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب
العدالة والتنمية المغربي، خلال افتتاح الملتقى السابع لشبيبة حزبه
بالقنيطرة، أمس الأحد 17 يوليو الجاري، تعقيبا عن حديث رئيس هيئة الوفاق
الوطني الفلسطيني "جميل سلامة" حول حصار غزة وعلاقته بالثورة المصرية.
بنكيران،
الذي اغتنم فرصة اللقاء السياسي بشبيبة حزبه، وجه رسائل سياسية تخص الوضع
السياسي لمرحلة ما بعد التصويت على الدستور المغربي (الأول من يوليو 2011)،
مؤكدا أن طريقة حكم العاهل المغربي قبل تاريخ الاستفتاء على الدستور قد
انتهت، كما أن محاربة المفسدين أصبحت واجبا.
ويشارك في الملتقى
السابع لشبيبة العدالة والتنمية، الذي يمتد من 17 يوليو إلى 24 منه تحت
شعار "الشباب يريد.. مغرب جديد"، ضيوف من مختلف البلدان العربية بهدف تأطير
شباب الحزب فكريا وسياسيا ودعويا بشكل مباشر، فضلا عن مساهمة فعاليات من
الحزب الإسلامي وشركائه الاجتماعيين والدعويين (حركة التوحيد والإصلاح،
الاتحاد الوطني للشغل، منظمة التجديد الطلابي..) في الورشات التكوينية
واللقاءات المفتوحة مع الشباب.
الشعب يريد حكما جديدا
وانسجاما مع
ثلاثية الشعار الوطني المغربي (الله، الوطن، الملك)، شدد الأمين العام لحزب
العدالة والتنمية على ثلاثة ركائز اعتبرها ضرورية لتجديد الثقة في الفعل
السياسي وضمان استقرار المغرب وهي: الحفاظ على المرجعية والهوية الإسلامية
(الله)، والوحدة الوطنية مع الشرفاء (الوطن) من دون المفسدين و"الباندية"،
والتمسك بالملكية اختيارا سياسيا وقائدا للثورة البيضاء.
وقال
بنكيران إن حزبه قال "نعم للملكية والدستور"، ولكن لابد من التغيير والقيام
بإصلاحات حقيقية، ولم يوقع شيكا على بياض ولم يأخذ درهما من أجل هذا
التصويت، بل هدفه "تدعيم استقرار البلاد"، مشيرا إلى أن حزبه يتحفظ على
تسريع موعد الانتخابات دون مراجعة إجراءاتها القديمة، لأنها ستكون فاشلة
وتفرز نخبا مفسدة.
وأوضح أن حزبه ليس ضد نزول الشباب للشارع
للاحتجاج لنيل مطالبهم في الشغل والتعليم والصحة، ولكن المرحلة لم تعد من
أجل إسقاط النظام، بل من أجل تصحيح المسار ومقاومة الفساد والاستبداد
وتوضيح المواقف والقطع مع "قطاع الطرق".
وأبرز بنكيران أن التلاعب
في الانتخابات والتحكم فيها والإبقاء على المعتقلين ظلما في السجون، سيعيد
إشعال الشارع المغربي ويدخل البلاد في مرحلة لا لون لها ولا رائحة.
واعتبر
بنكيران المرحلة المقبلة لما بعد الدستور "صعبة"، لأن محاربة المفسدين
والمستفيدين من الريع والمغتنين من "صداقة الملك" تبقى "واجبة".
وحدد بنكيران ثلاثة شروط لإنجاح الثورة الهادئة وتعزيز الثقة بين الفرقاء السياسيين بالمغرب، وهي:
ـ التأكيد على المرجعية الإسلامية للدولة، وهي ليست تدخلا في الحرية
الشخصية، وإنما هي عدم إشاعة الفاحشة والشذوذ والمعصية في الشعب المغربي،
موجها الشباب إلى عدم الانجرار إلى نقاش حول هوية الدولة المغربية: مدنية
أو دينية، بل التأكيد أنها إسلامية وفقط.
ـ الحفاظ على الملكية: بعمقها التاريخي، الذي يمتد لـ 12 قرنا، وقال
بنكيران مخاطبا العاهل المغربي: "بكل محبة وصدق، أقول لك يا جلالة الملك إن
طريقة حكم ما قبل فاتح يوليو قد انتهت، وشعبك صوت بنعم لتستمر في حكمه من
خلال نخبة نزيهة تدافع عن مصلحة الوطن، فكفى النخبة المحيطة بك ما جمعته من
أموال وامتيازات طيلة خمسين سنة، فالشعب يريد حقه وكرامته، وأنت قائده في
هذه الثورة ونحن معك." محذرا من الاستمرار في التدبير الحالي من دون القيام
بإجراءات سياسية وقانونية تجعل الدولة تتصالح مع الشعب وفي خدمته، وليس هو
في خدمتها.
ـ الحفاظ على الوحدة: مع النزيهين والشرفاء، وليس مع "الباندية" والمتآمرين على البلاد.
فلسطين في الملتقى
وفي
ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، قال الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إن
المغرب جعل الدفاع عن القضية الفلسطينية "أولوية وطنية"، مشيرا إلى دعم
المغاربة لجهاد صلاح الدين الأيوبي وما يحفظه التاريخ من زيارة المغاربة
لبيت المقدس أثناء رحلة الحج، ولكنه المغاربة لا يفعلون اليوم: "لأنهم
يرفضون أن توقع إسرائيل على جوازاتهم".
وأكد أن إرادة الله هي التي
تدخلت بقوة فحطمت "الفرعون" مبارك بسبب مساهمته في حصار أهل غزة، وليس ذلك
بحيلتنا أو علمنا فـ"النصر من عند الله"، "وإن تنصروا الله ينصركم".
وكان
جميل سلامة، الكاتب العام لهيئة الائتلاف الوطني الفلسطيني قد أشار في
كلمته خلال الجلسة الافتتاحية، إلى أن أحد أسباب الثورة المصرية هو
الانتفاضة على الطاغية "مبارك" بسبب حصاره لأهل غزة.
وقال جميل سلامة: "إن غزة ترفع من ينصرها وتسقط من يحاصرها"، آملا أن تعود مصر لدورها المركزي في قيادة الأمة العربية والإسلامية.
وأوضح
المناضل الفلسطيني: "لم نكن نراهن على الأنظمة في دعم فلسطين وغزة، لأن
هذه الأنظمة كانت تخدم مصالحها الخاصة، ولا تملك حريتها"، مؤكدا أن:"العبيد
لا يبنون حضارات".
وقد خصصت مجموعة من الورشات والمحاضرات حول
القضية الفلسطينية وآفاق المصالحة والقدس والقيم، يشارك فيها كل من قاضي
فلسطين "مصطفى يوسف اللداوي"، و"جميل سلامة" والمفكر الفلسطيني "سعيد خالد
الحسن".
وأعرب محمد الهلالي، النائب الثاني لرئيس حركة التوحيد
والإصلاح، أن مشاركة التوحيد والإصلاح في الملتقى يأتي تدعيما للشركة
الإستراتيجية بينها وبين حزب العدالة والتنمية وباقي الديمقراطيين لاستكمال
الأشواط المتبقية من عملية الإصلاح في إطار استقرار البلاد.
وقال
الهلالي إن حركة التوحيد والإصلاح مستعدة لدعم حركة الشباب دينيا وقيميا
باعتبار أن الجهود التربوية والقيمية تولد رقابة الله والنزاهة والشفافية
في صيانة المؤسسات والمال العام ومحاربة الرشوة.
وأضاف الهلالي أن
درس الاستثناء المغربي يكون بـ"كنس المفسدين وإطلاق سراح المظلومين
والتجاوب مع مطالب الشارع المغربي وإنصاف الأئمة والعلماء وتأويل الدستور
تأويلا ديمقراطيا".
رسائل عبر الملتقى
وفي
تصريح لموقع إسلام أون لاين، قال مصطفى بابا، الكاتب الوطني لشبيبة
العدالة والتنمية، إن أول الرسائل السياسية من الملتقى هي ضمان حضور الشباب
في السياسة، والسياسة لا يمكن أن تمر إلا عبر الشباب وهي خادمة لمصالحه،
وعلى الشباب اليوم أن يتكلم وينخرط في صناعة القرار والسياسة داخل بلده.
وأوضح
بابا أن شبيبة العدالة والتنمية تناضل: "لتحقيق الديمقراطية الداخلية
أولا، ووضع الآليات الحقيقية من أجل تجديد النخب داخل الحزب وإيجاد مواقع
تأثير للشباب، والآلية الديمقراطية هي أنجع وسيلة لتحقيق هذه الغاية وتمثيل
حقيقي للشباب سياسيا يمكن من محاسبة ومتابعة أداء قيادات الحزب".
ويشارك
في الملتقى نخبة من القيادات الفكرية والسياسية والتربوية لتشريح الوضع
العربي ما بعد الثورات العربية وتحليل واقع الأمة العربية والإسلامية،
ووفود من مختلف البلدان العربية، فضلا عن فعاليات سياسية وفكرية من قيادة
حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، وأخرى فنية (مجموعة السهام،
المنشد السوري محمد حوى، والفكاهي المغربي مسرور المراكشي).
ويحضر
الملتقى السابع كل من الشيخ راشد الغنوشي وعبد السلام رفيق (تونس) ومحمد
ناصر عارف (الإمارات) وصبحي صالح (مصر)، مصطفى اللداوي وجميل سلامة وسعيد
خالد الحسن (فلسطين)، محمد المختار الشنقيطي (مويتانيا)، جمعة القماطري
(ليبيا)، محمد فاتح الراوي والمنشد يحيى حوى (سوريا)، عدنان الحميدان
(الأردن)، حواس سينكر (الجزائر)، نواف القديمي (السعودية) ووفود من تركيا
والسودان، فضلا عن رموز فكرية وسياسية ودعوية مغربية من الهيئات الشريكة
لحزب العدالة والتنمية.
وحول استدعاء الأهداف المرجوة من استدعاء
ضيوف خارج المغرب، يؤكد عبد الله بوانو، مسؤول العلاقات الخارجية،
أن:"الهدف الرئيس من استدعاء مختلف الحساسيات الفكرية والسياسية العربية
والقيادات الإسلامية، هي فرصة للتواصل المباشر بين شباب الحزب وهذه
القيادات والوقوف عمليا على مناطق نجاحاتها وإيجابياتها والاستفادة من
جوانب الإخفاقات لتجنبها في الممارسة السياسية".
وأضاف بوانو أن:
"حضور هذه الحساسيات الفكرية والسياسية في الأوراش التأطيرية سيمكن الشباب
من الاطلاع على مستجدات الحراك الدولي، سواء في فلسطين أو باقي البلدان
العربية، وتبادل التجارب والقيم تعزز دور المؤسسات والأفراد في ترسيخ هذه
القيم".