شكلت الحركة الشبابية في المغرب ’ظاهرة‘ ملفتة للنظر في المشهد السياسي
المغربي المعاصر بإعادتها شريان الحياة للشارع كعامل أساس في إيصال مطالب
الناس لمسامع صناع القرار. ففي فترة وجيزة نسبيا حرك الشباب ما عجزت عن
تحريكه الأحزاب السياسية بمختلف مشاربها طيلة سنوات. إلا أنه في الآونة
الأخيرة بدت أعراض الاختلافات الداخلية بارزة على جسد الحركة منذرة بمستقبل
غامض يضع علامات استفهام حول مستقبلها.
الحركة انتهت
الانسحاب هو أحد التحديات التي تواجه الحركة بعد التصويت على الدستور
(فاتح يوليو)، ويذهب المنسحبون، وهم في غالب الأحيان أفرادا قد لا يعبرون
عن رأي غالبية التيارات الوازنة في الحركة، إلى القول إن الحركة انتهت وأن
الآتي هو النضال من أجل تطبيق ما جاء في بنود الدستور المعدل. هذا ما صرح
به للقسم العربي بإذاعة هولندا العالمية أحد المنسحبين مؤخرا من الحركة
الشبابية وهو مولاي رشيد زناي، الناشط الأمازيغي ضمن تنسيقية مدينة الناظور
(شمال):
"حركة 20 فبراير انتهت مباشرة بعد التصويت على الدستور،
وما دام الشعب المغربي قال نعم للدستور فإذن لم يبق للحركة مبرر للاستمرار،
وهي في خبر كان". بل يذهب زناي أبعد من اعتبار الحركة منتهية إلى وصف من
بقي فيها بـ ’الانفصاليين‘. "الذين بقوا في الحركة انفصاليون وضد الشعب
المغربي ويريدون زرع الفتنة داخل الشعب المغربي".
لا بديل للشارع
يؤكد شباب الحركة من جهتهم أنهم ماضون في أشكالهم النضالية حتى تتحقق
مطالبهم التي هي مطالب الشعب المغربي و"مطالب ثورية"، وأن "لا بديل عن
الشارع" يقول أسامة الخليفي أحد ناشطي الحركة: "إستراتيجية الحركة هي أن لا
بديل عن الشارع، ولن نغادر الشارع إلا بعد تحقيق كافة مطالب الحركة، وهي
مطالب ثورية".
يتهم المنسحبون الحركة بكونها انحرفت عن مسارها عندما
"ركبها" تياران سياسيان: حركة العدل والإحسان الإسلامية المعارضة وحزب
النهج الديمقراطي اليساري الراديكالي. ويرى السيد زناي الناشط السابق في
الحركة، أن هذين التيارين تجاوزا المتفق عليه ورفعا شعارات تطالب بإسقاط
النظام. غير أن الخليفي ينفي "رفع سقف مطالب الحركة" ويُرجع ظهور مثل هذه
الشعارات في بعض المدن إلى "استفزازات" رجال الأمن للمتظاهرين.
"هناك
بعض الشعارات من قبيل إسقاط النظام، ترفع بين الفينة والأخرى في بعض
المناطق. لكن هذه الشعارات ترفع بعد استفزاز رجال الأمن للمتظاهرين. إذ
حينما يتدخل الأمن بعنف فمن الضروري أن يرتفع سقف الشعارات. غير أن حركة 20
فبراير ما تزال متشبثة ببيانها التأسيسي المطالب بملكية برلمانية حقيقية
ومحاربة الفساد وفصل السلط وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين".
أتباع ’المخزن‘
يتبادل الطرفان نعوتا وأوصافا يميزون بها بعضهم البعض. فالذي انشق أو
انسحب من الحركة يوصف بكونه "مُمخزنا" أي احتواه المخزن الذي يعني في
التوظيف الشعبي المغربي السلطة المركزية أو النظام. "كلمة ’المُمخزن‘ كلمة
متداولة وخاصة عند ناشطي حركة العدل والإحسان ويتهمون بها أي شخص انسحب من
الحركة، وهذا كلامهم ولهم الحق أن يعبروا كيف ما شاءوا"، يقول زناي.
ومن
جانبهم يوضع ’الفبرايريون‘ في خانة ’الانفصال‘ وأنهم يخدمون ’أجندات خفية‘
ولهم علاقات ’مشبوهة‘ مع قوى خارجية، هذا فضلا عن كونهم أتباع تيارين
سياسيين معارضين للنظام القائم وما إلى ذلك من نعوت يرى فيها ناشطو الحركة
عملية "شيطنة" تقوم بها السلطة، بحسب أسامة الخليفي في لقاء هاتفي مع إذاعة
هولندا العالمية:
"أنا واحد من المستقلين في حركة 20 فبراير،
والحركة تُسير ويتم اتخاذ القرارات فيها بشكل جماعي وبشكل ديمقراطي وليس
هناك أي ركوب على الحركة. هذه محاولات لتشويه الحركة، محاولة من ’المخزن‘
لشيطنة الحركة وزرع الفتنة الداخلية فيها لتشتيتها من الداخل".
وبعيدا
عن هذا السجال، ومع شرعية التساؤل عما إذا كانت الحركة الشبابية حققت فعلا
بعضا من أهدافها أم لم تحقق أيا منها، فإن ما يجري الآن في المغرب من حراك
سياسي ونقاش يهم قضايا الشأن العام، لا يمكن عزله عن ’إنجازات‘ الحركة.
إلا أن التحديات التي تواجهها مستقبلا، شكلا ومضمونا، بعد أكثر من أربعة
أشهر من انطلاقتها تضعها فعلا أمام تحديات جديدة وخيارات صعبة.