اختار المغرب منذ أول حكومة بتاريخ 7 دجنبر 1955 أن يكون القطاع الرياضي
تابعا للدولة بشكل مباشر، فهي المكلفة ببناء البنية التحتية سواء بشكل
مباشر أو عبر الجماعات المحلية، وهي المكلفة بمراقبة الأنشطة الرياضية
وتمويل برامج الجامعات واللجنة الأولمبية.
ومن خلال التدقيق في أشكال التدبير التي خضع لها القطاع الرياضي خلال 55
سنة الماضية، يتضح أن الدولة لم تستقر على نموذج معين، إذ تأرجحت
اختياراتها ما بين وزارة وكتابة للدولة وقسم للشبيبة والرياضة ومندوبية
سامية ونيابة كتابة الدولة وكتابة عامة، كما أن تبعية هذه الاختيارات
تراوحت ما بين وزارات التهذيب الوطني والتربية الوطنية والوزارة الأولى
والفنون الجميلة والشؤون الاجتماعية والصحة والتعاون الوطني والشغل والعمل
والأنباء. والملاحظ أن التاريخ الرسمي لمسار القطاع الوصي يلغي العديد من
الحقائق من قبيل الجهات التي كان يتبع لها القطاع في بعض الفترات، إذ غالبا
ما تورد فقط أسماء المديرين والكتاب العامون عوض المسؤولين الحكوميين.
ورغم أن أول حكومة مغربية سنة 1955 تضمنت كتابة للدولة في الشبيبة
والرياضة، فإنها لم تستمر أكثر من سنة، ليتم إلحاق الرياضة بوزارة التهذيب
الوطني ثم بالتربية والتعليم.
ولم يكن الشكل الذي تتخذه المؤسسة المشرفة على الرياضة حاملا لمؤشرات
تعكس تصورا معينا، فتعيين عبد الهادي بوطالب كاتبا للدولة في الأنباء
والشبيبة والرياضة لم يكن يعني بالضرورة وجود رغبة من الدولة في الرفع من
أداء قطاع الشباب والرياضة بقدر ما كان البحث فقط عن وصاية إدارية للقطاع
وفق السياق السياسي العام.
إن غياب استقرار على مستوى شكل الجهة الحكومية المكلفة بالرياضة لا يعد
استثناء مغربيا، بل هو أمر يمكن الوقوف عليه بفرنسا والجزائر مثلا.
فبفرنسا، ومنذ الجمهورية الثالثة أوكلت مهمة تدبير الرياضة لعدة أجهزة
كنيابة كتابة الدولة في الرياضة وتنظيم الترفيه، ونيابة كتابة الدولة في
الشبيبة والرياضة، ووزارة الشباب والفنون والآداب، وكتابة الدولة في الشباب
والرياضة والتعليم التقني، وكتابة الدولة لدى الرئاسة مكلفة بالتنسيق في
مشاكل الشباب، ووزارة التعليم والشبيبة والرياضة، ومندوبية سامية للرياضة،
ووزارة الشبيبة والرياضة، وكتابة الدولة لدى الوزير الأول مكلفة بالشباب
والرياضة والترفيه، وكتابة الدولة لدى وزير جودة الحياة مكلفة بالشبيبة
والرياضة، ووزارة الصحة والشبيبة والرياضة.
أما بالجزائر فإن إحداث وزارة للشبيبة والرياضة بتاريخ 27 شتنبر 1962 في
إطار تأسيس حكومة 1963 لم يحل دون إضافة قطاع السياحة إليها شهر مارس من
سنة 1963، قبل أن تلحق الشبيبة والرياضة ككتابة للدولة بوزارة التوجيه
الوطني، لتعود منذ دجنبر 1964 على شكل وزارة للشبيبة والرياضة.
ولم تخضع تعيينات المسؤولين الحكوميين على قطاع الشبيبة والرياضة لمنطق
معين بما أنها لم تخرج عن المنطق المعتمد في باقي التعيينات الحكومية
الخاصة بالقطاعات الأخرى. والملاحظ أن التغييرات الحاصلة في استراتيجية
التعيين ارتبطت أساسا بالظروف الاقتصادية والسياسية التي شهدها المغرب
(الاستقلال-حالة الاستثناء-المسيرة الخضراء-تطبيق برنامج التقويم
الهيكلي-حكومة التناوب...)، إذ كانت الاستعانة في بعض الأحيان بالنخب
الحزبية قبل أن يتم التحول إلى التقنوقراط، كما أن وجود تناسب بين المنصب
الوظيفي والمرفق الوزاري لم تكن بالضرورة محددا أساسيا في اختيار المسؤولين
عن القطاع، ومقابل ذلك لعب الانتماء العائلي وبعض المميزات المرتبطة
بسياسة الحسن الثاني في الحكم، على الخصوص، دورها في تولي بعض الشخصيات
مسؤولية تدبير شؤون الشبيبة والرياضة.
على مستوى المدة التي يقضيها كل وزير على حدة في منصبه، نجد أن الأمر
متباين بين فترة وأخرى، لكن المعدل العام لبقاء مسؤولي الشبيبة والرياضة
بالمغرب يقارب السنتين (1955-2009)، وتظل أقصر مدة قضاها مسؤول عن القطاع
من نصيب ناصر الفاسي الذي شغل منصب وكيل بوزارة التربية الوطنية والفنون
الجميلة والشبيبة والرياضة بدون أن تتعدى مدة بقائه شهرا واحدا و22 يوما،
أما أطول مدة فهي في ملك الوزير عبد اللطيف السملالي ب10 سنوات و9 أشهر و6
أيام ضمن ثلاث حكومات (17 و18 و19).
إن قصر مدة بقاء المسؤولين عن
القطاع الرياضي في الحكومة لا يعد بدوره استثناء مغربيا، بل هو أمر يمكن
الوقوف عليه بفرنسا أيضا، فمدة البقاء في المنصب الوزاري بفرنسا لم تتعد
السنة الواحدة بالنسبة لستة وزراء، بل إن بيير شوفالييه أقيل يوما واحدا
بعد تعيينه يوم 11 غشت 1951 كاتبا للدولة في التعليم التقني والشبيبة
والرياضة، وبدرجة أقل وزير الشبيبة والرياضة رولاند نونجيزير الذي أعفي من
مهامه بعد شهر و11 يوما من تعيينه بتاريخ 30 ماي 1968. ولم تتوقف المدد
القصيرة إلا بعد قضاء كاتب الدولة جوزيف كوميتي أطول مدة في تاريخ
المسؤولين عن القطاع الرياضي بـ5 سنوات و10 أشهر و15 يوما ما بين 1969
و1974، إذ أن كل من تعاقبوا على المنصب في ما بعد فاقت مدة بقائهم السنة و6
أشهر.
لكن الاختلاف بين الحالتين (المغرب وفرنسا) يكمن في أن تغيير الوزراء في
فرنسا لا يؤثر على السير العادي للسياسة العمومية المبرمجة على المدى
البعيد، وبالتالي فإن قصر مدة بقاء الوزراء بفرنسا أو تغيير الشكل الحكومي
للقطاع الرياضي لا يؤثر كثيرا بما أن ترتيبات التجهيز والإعداد معد لها
سلفا على المستوى الحكومي، في حين أنه في ظل غياب تصور واضح من الدولة
للقطاع الرياضي فإن كثرة التغييرات على مستوى الشكل الحكومي للقطاع (وزارات
التربية الوطنية التهذيب الوطني الشغل والفنون الجميلة...) وقصر مدة
المسؤولين تزيد الوضع سوءا وتزيد في الضبابية التي تسود نظرة الدولة
للرياضة، فما إن يبدأ وزير في الاستئناس بأجواء القطاع حتى يصطدم بالتعديل
أو الإعفاء، كما أن كل وزير يتقلد منصبه يبادر إلى سن سياسة جديدة (أو لا
يلتجئ إلى ذلك) على نحو يقطع مع السياسة المطبقة في السابق، الأمر الذي
يحول دون تثبيت سياسة رياضية طويلة الأمد لا تتغير بتغير الاشخاص.
وإذا كان ذلك مرتبطا بظروف خاصة شهدها المغرب سنوات الستينيات
والسبعينيات على الخصوص خلال حكم الحسن الثاني، فإن التغيير الذي هم
الوزارة سنة 2009 إثر تنصيب منصف بلخياط يطرح العديد من علامات الاستفهام
حول الجدوى من تعيين نوال المتوكل لمدة لم تتعد سنة و10 أشهر قدمت خلالها
الوزيرة مخططا يهم السياسة الوطنية لوزارة الشبيبة والرياضة ما بين 2008
و2012، ثم برنامجا للعمل خلال سنة 2009، إضافة إلى الاستراتيجية الطويلة
المدى والممتدة ما بين 2008 و2020 والتي هي نتاج أشغال المناظرة الوطنية
للرياضة الوطنية شهر أكتوبر 2008 التي كلفت حوالي مليار سنتيم، فرغم كل هذه
الاجتهادات فإن الوزير الجديد بادر إلى إعداد سياسة أخرى تعتمد على المدى
المتوسط من 2010 إلى غاية 2016 بمقاربة مغايرة (تشكيل بطولة احترافية من 12
فريقا، 1000 ملعب قرب في أفق سنة 2016...) ، وأبقى في تصريحاته فقط على
مضمون الرسالة الملكية في افتتاح المناظرة الوطنية للرياضة شهر أكتوبر من
سنة 2008، الأمر الذي يفيد أن استراتيجة الوزير كفاعل في مجال الشبيبة
والرياضة لا تثني الفاعل الاساسي عن فرض اختياراته، المبنية بالضرورة على
مصالح، حتى لو كان ذلك على حساب مجهودات وزارة بأكملها.