تنعقد في فصل الصيف بالمغرب العديد من اللقاءات والمواسم الصوفية السنوية
برعاية رسمية ملحوظة، حيث يتم تنظيم مهرجانات أو مزارات أو جلسات ذكر، أو
عبر أنشطة فكرية ودينية، وسماعيات صوفية وحفلات غنائية أيضا في الكثير من
مدن المملكة.
ويرى مراقبون بأن تشجيع هذه المواسم الصوفية يعد سياسة
للدولة المخزنية التي تهدف أساسا إلى الإلهاء والإخضاع والتفرقة، وإلى
تكسير شوكة الحركة الإسلامية ذات التوجه الثوري والمعارض.
ويعتبر
آخرون أن هذه المواسم والطرق الصوفية تلعب أدورا رئيسية من بينها ضمان
الولاء للمؤسسة الملكية، كما أنها تتيح للفرد الترقي الديني والاجتماعي من
خلال إشاعة المحبة وإزالة الفرقة بين الناس".
الحج إلى المواسم الصوفية
وحج
آلاف الأشخاص يوم السبت 9 يوليو إلى جبل العلم الذي يقع في سلسلة جبال
الريف بالشمال الغربي من المغرب، لحضور الموسم السنوي للطريقة العَلَمية
وزيارة ضريح الولي عبد السلام بن مشيش العلمي.
وبحسب أخبار رجالات
الصوفية بالمغرب وأتباع ومريدي هذه الطريقة، فإن الولي عبد السلام بن مشيش
عُرف بورعه وتدينه وصلاحه، حتى بات أحد أبرز الأولياء الذين أقيم لهم ضريح
يأتيه الآلاف من الزوار كل سنة، قصد التبرك بقبر عبد السلام بن مشيش الذي
توفي سنة 626هـ/ 1229م.
وبمناسبة هذا الموسم الصوفي، تبرع العاهل
المغربي محمد السادس ـ دأبا على عادته ـ بهبة ملكية على هذه الزاوية
العلمية، مثل دعمه المادي والمعنوي أيضا لطرق وزوايا صوفية أخرى كالطريقة
البودشيشية والتيجانية وغيرهما.
وتُنظَّم ملتقيات عالمية للصوفية
تحت رعاية رسمية من أعلى سلطة في البلاد، من قبيل "ملتقى سيدي الشيكر"
للصوفيين، الذي ينعقد في صيغة وطنية في شهر رمضان كل عامين، وأيضا في صيغة
عالمية، بهدف ربط الصلة بين المنتسبين إلى التصوف في المغرب وبالمتصوفين في
مختلف بلدان العالم.
ويشهد المغرب أيضا في الفترة بين 18 و25 يوليو
موسما صوفيا آخر لا يقل شهرة عن موسم بن مشيش، هو موسم عبد الله أمغار.
وتتوزع المظاهر الاحتفالية للموسم بين الأنشطة الدينية بضريح الولي الصالح،
والأنشطة الفكرية والثقافية والترفيهية بمختلف فضاءات الموسم، بحسب الموقع
الرسمي للموسم.
وفي الشق "الفني" للمواسم الصوفية، تنظم جمعية أبي
الحسن الشاذلي المهرجان السنوي للأيام الدولية الصوفية للمديح والسماع
بمدينة شفشاون خلال الفترة الممتدة بين 14 و17 يوليو الجاري.
سياسة الإلهاء
ويتعرض
تنظيم هذا الكم الهائل من المواسم الصوفية دفعة واحدة، ورعاية الدولة لها
ودعمها بشكل لافت، للعديد من سهام النقد التي ترى في ذلك نوعا من
الإستراتيجية السياسية للدولة، تحاول ضرب عصافير عدة بحجر واحد.
وبالنسبة
للباحث المهتم بالحركات الإسلامية الدكتور عبد العلي مجذوب، فإن المواسم
والمهرجانات الصوفية ـ في بُعدها السياسي- لا تختلف في شيء عن مهرجانات
الموسيقى والغناء والرقص وغيرها.
وأكد مجذوب في حديث مع "إسلام أون
لاين" أنها سياسة للدولة "المخزنية" مرسومة بعناية، الهدفُ منها أساسا هو
الإلهاء والإخضاع والتفرقة، مضيفا أن الدولة في مأمن ما دام الناس، ومنهم
الشباب خاصة، غارقين في اللهو، بمختلف ألوانه وتسمياته، ومشغولين بمعارك
"ثانوية" تشق صفهم وتبدد جهودهم.
وأشار مجذوب إلى بعض هذه المعارك
الثانوية، من قبيل معركة "التصوف والسنة" ومعركة "الإسلام والفن" أو
"الدولة الدينية والدولة الحداثية"، إلى آخر المعارك التي تُبعدنا عن
الاهتمام بالمعركة الكبرى، معركة محاربة الاستبداد وقرينه الفساد.
ولاحظ
الباحث أن هذه المهرجانات، بكل أنواعها ومستوياتها، باتت جزءا لا يتجزأ من
سياسات الدولة الكبرى، وهذا ما يفسر أنه تلقى الرعايةَ الفائقة من أعلى
هرم السلطة إلى أسفله، فضلا عن الإمكانيات المادية واللوجستيكية التي تخصص
لتنظيمها.
وتساءل مجذوب: "ماذا يعني، مثلا، أن تشملَ الدولةُ
برعايتها الخاصة مهرجانات الرقص والمجون والميوعة، إلى جانب مواسم الأولياء
والطرق الصوفية، ومهرجانات الأضرحة والبدع والشعوذة"؟
"كسر" الإسلاميين المعارضين
وبدوره،
انتقد عضو مسؤول في أحد المجالس العلمية المحلية التي تتبع لوزارة الأوقاف
ـ طلب عدم ذكر اسمه ـ في تصريح مقتضب لـ"إسلام أون لاين"، الدعم المادي
الضخم الذي يُمنح لبعض المواسم والملتقيات الصوفية المعروفة بالمغرب، خاصة
ملتقى سيدي شيكر.
ويرى المصدر أنه كان الأجدر بتخصيص هذه الأموال من
أجل إقامة مشاريع اقتصادية مفيدة للشباب العاطل من حملة الشهادات الجامعية
العليا، مبرزا أن التعاطي الحالي مع ملف الطرق الصوفية تنقصه الواقعية
والمصداقية.
ويعود الدكتور عبد العلي مجذوب ليحدد الهدف الرئيس من
سياسة المخزن في هذا الشأن، موضحا أن الشعب "اللاهي" و"المخدَّر" يسهل على
الحاكم إخضاعه والتحكم فيه، وتوجيهُه حسب ما يريد ويهوى.
ويربط
مجذوب، في تصريحاته لـ"إسلام أون لاين"، هذا الهدف العام بهدف ثان تجعله
الدولة على رأس أولوياتها، وهو كسر شوكة الحركة الإسلامية، في شقها الثوري
الرافض و"العاصي"، الذي بات يشكل النواة الصلبة للمعارضة الشعبية الحقيقة
التي تهدد وجود النظام المخزني اليوم وغدا.
واستطرد: إشغال هذه
الحركة الإسلامية بخصومها، في معارك ثانوية لا تنتهي، يعتبر هدفا
إستراتيجيا للدولة، لهذا لا نستغرب كثرة هذه القضايا المسائل "الشرعية"
والمعارك الفكرية والفقهية، التي أصبحت تثيرها هذه المهرجانات، والتي نجد
الحركة الإسلامية فيها دائما متهمةً مجرَّحة، ومشكوكا في نواياها وأهدافها.
وزاد
مجذوب هدفا آخر يتمثل في حرص الدولة على أن تظهر دائما، للخارج أساسا،
بمظهر الدولة "الحداثية"، التي يتعايش فيها النقيضان، ويتصالح فيها المجون
والفسق والضلال مع الدين والتقوى والصلاح، وحيث الدولة ترعى كل شيء ما دام
يفتل في حبل تقوية سلطانها وإحكام قبضتها على البلاد والعباد" وفق تعبير
المتحدث.
الولاء الروحي والسياسي
لكن
في الجهة المقابلة، هناك مراقبون يرون في التنظيم المكثف للمواسم
والملتقيات الصوفية ورعايتها بمختلف الوسائل، أمرا يحقق عدة إيجابيات
وأدوار هامة على الصعيد الفردي والجماعي والسياسي بالنسبة لسياسة الدولة.
وبحسب
هؤلاء، تلبي هذه المواسم والمهرجانات الصوفية أهم الحاجات الروحية للفرد،
من خلال رقيه نحو درجات أعلى من التربية وتزكية النفس ونشر المحبة بين
الناس، في خضم هيمنة التصوف كشكل من أشكال التدين في المجتمع المغربي.
وفي
سياق ذي صلة، يعتبر باحثون مختصون، من قبيل الدكتور عباس بوغالم، أن الطرق
الصوفية التي تنظم مواسمها السنوية للتواصل بين مريديها، تنشط بشكل بارز
في خضم "غياب وجود مؤسسات وتنظيمات حاضنة ومستوعبة لتزايد متطلبات التأطير
الديني، وعجز أغلب تنظيمات الحركة الإسلامية عن الاستجابة الكاملة لحاجات
التأطير الديني".
ولأن الطرق والزوايا الصوفية ما فتئت تلعب أدوارا
حاسمة في المجتمع المغربي، وفي نسج نسقه السياسي الرئيسي بشكل مؤثر أحيانا،
فإن الدولة وعت بهذا الوضع وأدركته مبكرا، لهذا حرصت السلطة على كسب ورقة
الصوفيين بشتى الأشكال، سيما عبر خيار الترغيب والتقريب من خلال سياسة
الهبات والمنح والمكرمات.
غير أن بوغالم يبرز دورا آخر لهذه الطرق
الصوفية، يتجلى في كونها تعمل بكل الطرق التي يتيحها إشعاعها على "ضمان
الولاء" للمؤسسة الملكية، وتأمين ما يسميه الباحث حاجياتها الضرورية على
مستوى الشرعنة".