أجرت أسبوعية «النوفيل اوبسرفاتور» حوارا مع الباحث والمؤرخ المتخصص في
الشؤون المغاربية بنجمان سطورا، حول التعديلات الدستورية الأخيرة والأجواء
في المغرب، ومقارنتها بما يحدث في العالم العربي... وتعميما للفائدة وإطلاع
القراء على مختلف وجهات النظر نقدم الترجمة التالية نقلا عن صحيفة الاتحاد الاشتراكي:
هل يشكل الإصلاح الدستوري الذي أقدم عليه ملك المغرب تغييرا حقيقيا؟
يمكن
اعتبار هذه الاصلاحات كخطوة، قد تكون مترددة ، نحو الملكية الدستورية.
فبإقرار أن الوزير الأول سيعين، من الآن فصاعدا، من الحزب الحاصل على
المرتبة الاولى في الانتخابات التشريعية، يكون الملك قد وافق على الحد من
صلاحياته. كما أنه قد صرح أيضا أن شخصه لم يعد مقدسا، وإن لم يكن بمقدورنا
الآن أن نقدر التأثيرات كلها لوضعه الاعتباري الجديد. ربما فهم بأنه لم يعد
أمامه من خيار . فبعد سقوط بنعلي وسقوط مبارك ، يبدو أنه قدر الأمور حق
قدرها بخصوص التقديرات التي تفرض نفسها عليه. هل سيعتبر المغاربة هذه
التغييرات كافية؟ إن الجواب هو : في بلد ، الأحزاب السياسية فيه ضعيفة ،
والوزراء لا يمكنهم أن يتخذوا أي قرار بدون تزكية من القصر، لا يزال الملك
يركز أغلب السلطات بين يديه.
هل يتمنى المغاربة فعلا إقامة نظام جديد؟
توجد،
في نظري، ثلاث مجموعات في وسط المجتمع المغربي: هناك الذين يعتقدون أن
الاصلاحات التي بلورها القصر، تحت ضغط الثورات العربية المجاورة، ما هي سوى
سراب، طريقة لدى النظام لتخفيف حدة الواقع بدون أن يتنازل عن سلطته.
وهؤلاء يرغبون في ملكية دستورية حقيقية مثل ما هي عليه في إسبانيا أو
بريطانيا.
هناك أيضا الذين يعتقدون بأن الاصلاحات غير كافية، ولكن لا بد من الاستناد الى هذه الاصلاحات الأولى للحصول على المزيد.
وأخيرا هناك الذين يفضلون بقاء الواقع على ما هو عليه (سطاطي كو)
ويعتبرون أن الاصلاحات، مهما كانت خجولة، يمكنها أن تهدد استقرارالبلاد،
وأن تلعب لصالح إسلاميي الشيخ عبد السلام ياسين.
ومجمل القول إن «البناء المغربي» كله يمكنه أن ينهار اذا ما أرخت
الملكية الحبل. وهذه المجموعة، مسنودة بفصيل مهم من المخزن، تشكل نوعا من
«الأغلبية الصامتة» ترفض أي تغيير. وعلى كل، فإن الجميع في المغرب متفق على
القول بأن الهوية الوطنية للبلاد شيدت حول الملكية، وحتى الأكثر راديكالية
من المتظاهرين لا يطالبون بإسقاط النظام.
بعد تونس، مصر ، اليمن، ليبيا واليوم سوريا ، هل وصلت الى المغرب ، بدوره، حركة الثورات العربية؟
إن
المسلسل الثوري الذي يجري اليوم في العالم العربي لا يمكن توقع تطوره، غير
أن مطالب الحرية والحق... من قبل الساكنة ضخمة للغاية. لقد تم قطع مرحلة،
ولا يمكن لهذا الجزء من العالم أن يعود الى الوراء.
يبقى أن الوضعية في تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن مختلفة قليلا عن
حالة المغرب. كل هذه الأنظمة تتبنى النموذج الجمهوري.. مع اقتراح نموذح
وراثي في الخلافة على مواطنيها، وفي هذه البلاد كان أحد الأسباب المحركة
للانتفاضة هو رفض نموذح جمهوري مزيف، ورفض هذا التحايل.
في المغرب يعد النظام الملكي مكونا للهوية الوطنية ، في إطار توافق يمكن
اليوم إعادة التفاوض حوله بين الملك وشعب يطمح الى المزيد من الحريات..
كثيرون هم المغاربة الذين لم يعودوا يقبلون بوضعهم كرعايا، لكن لا يشعرون
بإحساس «السطو» على السلطة السياسية كمواطني الجمهوريات العربية. يمكننا
القول إن وتيرة التغيير لن تكون في المملكة الشريفة كما هي عليه في باقي
العالم العربي.. غير أنه لا بد ، مع ذلك، من إيلاء الاهتمام الى الحركة
الاحتجاجية التي تستند، في جزء كبير منها، إلى رفض الفساد..
هل هناك، مع ذلك، مخاطر زعزعة الاستقرار في المغرب؟
إن
ما يعقد مطالب الاصلاح والتعطش اليه ، هي المسألة الاجتماعية. فالمغرب
مازال بلدا قرويا، التفاوتات الاجتماعية فيه لا يمكن مقارنتها مع باقي
العالم العربي، والأمية في المغرب هي التي تفرمل الثورة الديمقراطية،
والمطالب الاجتماعية قد تكون ، في الشهور القادمة ، بمثل أهمية المطالب
السياسية. وفي هذا السياق، تكون نسبة المشاركة في الاستفتاء يوم فاتح
يوليوز أساسية في توقع بقية الأحداث ، فإذا ما تعبأ المغاربة وصوتوا في بلد
يكون فيه الامتناع ، عادة، كثيفا ، فإن ذلك يعني أن دينامية البلد تتجه
نحو الإصلاح عوض الاشتعال..