زراعة الفضاء بحلول عام 2020 يعد
الخس والطماطم الطازجة وأوراق الكرنب الخضراء أشياء عادية يتناولها أغلب
الناس في وجبة العشاء. ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لرواد الفضاء الذين
يقضون عاما أو أكثر محلقين داخل المحطة الفضائية الدولية أو غيرها من
المحطات التي تدور حول الأرض أو هؤلاء الذين سيذهبون في رحلات فضائية قد
تستمر عاما أو أكثر إلى القمر أو المريخ. فمثل هذه المشهيات البسيطة عملة
نادرة بالنسبة لهم.
وقد ظهرت فكرة
استخدام البيوت الزجاجية لزراعة أنواع عديدة من الخضراوات والمحاصيل في
الفضاء لكي تقدم حلا لهذه المشكلة بحيث تضمن لرواد الفضاء تحقيق الاكتفاء
الذاتي من الطعام وتخفض تكاليف هذه المهمات الفضائية طويلة المدى. فمع
استخدام هذه الوسيلة ستقل الحاجة إلى شحن كميات كبيرة من الأطعمة المجمدة
والمياه بل وحتى الأوكسجين إلى رواد الفضاء ورغم أن فكرة تحقيق الاكتفاء
الذاتي للمحطات الفضائية من الخضراوات الطازجة مازال أمامها 15 عاما على
الأقل حتى تدخل مرحلة التنفيذ فإن العلماء بدأوا بالفعل إجراء تجارب على
البيوت الزجاجية في المعامل على الأرض وفي ظروف بيئية قاسية مثل جزيرة ديفون آيلاند في أقصى شمال كندا القطبية.
يقول روب فيرل مدير مركز تعليم وأبحاث التكنولوجيا الحيوية والزراعة الفضائية في جامعة فلوريدا والتابع لإدارة الفضاء والطيران الأمريكية (ناسا)، في تقرير نشرته صحيفة كريستيان ساينس مونيتور يقول: يمكن توفير المياه والطعام اللازم لرواد الفضاء الذين ينفذون مهمة في الفضاء لمدة عام عن طريق الزراعة الفضائية.
وأضاف: بالنسبة
للرحلات إلى كوكب المريخ فإننا يمكن أن نلجأ إلى عملية إعادة تدوير متطلبات
الحياة على متن المركبة الفضائية بحيث تستخدم النباتات مخلفاتنا
البيولوجية للنمو لنحصل نحن منها على الطعام والأوكسجين وربما المياه أيضا
وهي تحصل منا على ثاني أكسيد الكربون وغيره من المخلفات الحيوية لذلك ففي
أثناء إنتاج الغذاء من النباتات ننتج الأوكسجين وننقي المياه. كان الرئيس
الأمريكي جورج بوش قد أعلن في يناير عام 2004 عن خطة لإرسال رحلات مأهولة
إلى القمر بحلول عام 2015 واستخدام القمر كنقطة انطلاق لرحلات مأهولة إلى
كوكب المريخ وما وراء المريخ بحلول عام 2020م.
تحديات صعبة
يحتوي كوكب المريخ
على تحديات صعبة لكل من البيوت الزجاجية والنباتات المزروعة بداخلها، فدرجة
حرارة الكوكب الأحمر متقلبة للغاية والتي يمكن أن تتراوح بين خمسين درجة
فهرنهايت أثناء النهار و200 درجة تحت الصفر أثناء الليل وهو ما يمكن أن
يؤدي إلى تشقق غطاء البيت الزجاجي ويمكن أن يجعل درجة الحرارة داخل البيت
منخفضة للغاية بحيث لا يمكن للنباتات أن تنمو فيه.
كما
أن الغلاف الجوي الرقيق لكوكب المريخ لا يمنع وصول الأشعة المميتة القادمة
من الشمس إلى سطح الكوكب. كما أن الضغط الجوي على سطح الكوكب أقل من واحد
في المئة من الضغط الجوي على سطح الأرض وهو ما يمكن أن يجعل النباتات تبدو
كما لو تعرضت لعمليات تجفيف أو نزع المياه منها كما أنه يمكن أن يؤثر على
تماسك البيوت الزجاجية نفسها. كما أن مستوى الإضاءة على كوكب المريخ في
حدود نصف مستوى الإضاءة الطبيعية على الأرض وهو ما يعني الحاجة إلى مصادر
إضاءة صناعية مكلفة من أجل توفير القدر الكافي منها حتى تتمكن النباتات من
القيام بعمليات التمثيل الضوئي اللازمة لنموها.
ورغم
ذلك مازال العلماء متحمسين للفكرة حيث يحاولون استنباط سلالات جديدة من
النباتات المعدلة وراثيا لكي تتلاءم مع هذه الظروف البيئية القاسية. كما
يجري تطوير مواد أكثر مرونة تصلح لبناء البيوت الزجاجية الملائمة لهذه
البيئة شديدة الصعوبة.
يقول مايكل ديكسون مدير وحدة أبحاث أنظمة السيطرة على البيئة في جزيرة ديفون أيلاند ورئيس قسم البيئة الحيوية في جامعة جويلف بمدينة أونتاريو الكندية:
الشيء الوحيد المؤكد تماما هو أننا لن نحصل على مثل هذه الحاصلات دون وجود
نباتات ونظام مايكروبي يمكنه القيام بالكثير من عمليات تدوير أو إعادة
استخدام مخلفاتنا. كما يجب علينا حل مشكلات إدارة الكميات الهائلة من
الطاقة التي يتطلبها إنتاج كميات كبيرة من الغذاء والمياه والأوكسجين التي
نحتاج إليها واستهلاك ثاني أكسيد الكربون الناتج عن تنفسنا.
تعمل وحدة الأبحاث في ديفون آيلاند
للموسم الثالث على التوالي في زراعة نوع من الخس باستخدام وسط غني
بالمكونات الغذائية بدلا من التربة الطبيعية. وتجري عمليات الزراعة في
عشرين غرفة مختلفة من حيث الحجم ومستوى الضغط الجوي فيها لدراسة معدلات نمو
النبات. ويعتزم الباحثون إجراء دراسات على نباتات أخرى مثل البنجر وفول
الصويا والطماطم والفلفل.
وفي
الواقع تمكن الباحثون في قسم بحوث الغذاء بجامعة كورنيل الأمريكية في
تطوير قائمة غذائية لوجبات من الخضراوات تكفي عشرة أيام لطاقم سفينة فضائية
مكون من ستة أشخاص.
وفي
حين يعرف العلماء الكثير عن طبيعة سطح القمر فإن أياً من العلماء لم يتمكن
من إجراء أي بحوث على تربة المريخ حتى الآن. لذلك فإنه من غير المعروف بعد
ما إذا كانت هذه التربة خطيرة أم صالحة لنمو النباتات. كما أن هناك دليل
على تواجد مياه على سطح الكوكب الأحمر في وقت ما.
يقول ديكسون
إن وجود المياه هناك وبكميات كبيرة بحيث يمكن الحصول عليها بسهولة مسألة
مهمة. أم إذا لم يكن هناك مياه على سطح المريخ فإن إيجاد أي حياة على سطحه
سيكون شيئا صعبا في الواقع.
ومازال ديكسون غير مقتنع بأن النباتات سوف تنمو بصعوبة في البيئة ذات الضغط المنخفض.
ويجري ديكسون وفيرل تجارب مشتركة لمعرفة ما إذا كان من الضروري التعامل مع مسألة انخفاض الضغط الجوي في الفضاء من أجل نمو النباتات هناك.
يقول فيرل: إن الضغط المنخفض يؤدي إلى حركة المياه داخل النبات بسرعة أكبر.
ويضيف: من الأشياء
التي قد نريد القيام بها هي تعطيل هذه الاستجابة من خلال التعديل الوراثي
للنبات بحيث لا يفسر النبات الحركة السريعة للمياه داخله على أنه مصاب
بالجفاف.
ويستخدم
فيرل خرائط الحامض النووي والصبغيات من أجل دراسة أي نبات. ومن بين
المزايا التي يوفرها الضغط المنخفض حركة بعض الهرمونات الطبيعية داخل
النبات بسرعة تقلل من الهرمون الإيثيلني الذي يسبب النضج وهو ما يعني
استمرار بقاء النبات فترة أطول.
ويقول الخبراء إن زراعة نباتات وفقا للأنظمة الغذائية الهادفة إلى إنقاص الوزن (الحمية) هي الخطوة التالية.
يقول ريموند ويلر
رئيس فريق أبحاث النبات في برنامج دعم الحياة المتقدمة في مركز كيندي
الفضائي التابع لناسا إن هذا سيتضمن إمكانية إنتاج مواد غذائية تدوم فترة
طويلة مثل سلطة تؤكل كل ثلاثة أيام من خلال أنظمة نمو نباتات أصغر.
وأضاف: عندما تقيم
بنية أساسية على سطح المريخ يمكنك إبقاء بعثات هناك مع قدرة أكبر على
البقاء حيث تنمو تلك القدرة على البقاء تدريجيا بحيث يمكن في النهاية
لهؤلاء الموجودين على المريخ الحياة هناك دون الحاجة للأرض.
ويقول الدكتور ويلر
إن الباحثين يبحثون أيضا عن مصادر ضوء أكثر كفاية لأنهم سيحتاجون إلى
مصادر ضوء صناعية. كما أن القمر يمكن أن يكون أرضا جيدة لتجارب الزراعة في
الفضاء قبل الانتقال إلى المريخ.
ويقول الباحث مايكل ديكسون
إن بعض تقنيات الزراعة في البيوت الزجاجية يجب تطبيقها على الأرض. على
سبيل المثال إذا كان قد تم استنباط سلالات من النباتات تنمو في الظل لتصلح
لبيئة المريخ فإنه يمكن زراعة هذه النباتات في القطبين الشمالي والجنوبي
على كوكب الأرض حيث تقل الإضاءة الطبيعية بدرجة كبيرة. يقول ديكسون: لمدة
ستة أشهر في السنة نلجأ إلى صناديق زجاجية أو بلاستيكية من أجل زراعة أي
شيء في مناطق عديدة من شمال كندا واستخدام كميات كبيرة من الطاقة للإضاءة
والتدفئة. فإذا ما استخدمنا أصنافا من النباتات التي لا تحتاج إلى إضاءة
كبيرة في هذه المزارع بكندا فسوف توفر نفقات كبيرة.
ومن
المجالات الأخرى لتطبيق نظريات الزراعة الفضائية وأبحاثها على الأرض مجال
السيطرة على المكونات الغذائية في النباتات. وبالفعل يعمل الفرع الكندي
لشركة بريفا كمبيوترز إنكورب الهولندية مع الدكتور ديكسون في مجال تكنولوجيا الاستشعار الأيوني الذي يمكنه أن يوفر المزيد من التفاصيل عن المكونات الغذائية في النباتات.
يقول ديكسون: يمكنك
الاحتفاظ بمراقبة الجودة على نظام الإنتاج بطرق أكثر كفاءة وهي الطرق التي
تتطلبها الزراعة الفضائية حيث تكون في حاجة إلى أعادة تدوير كل شيء
تقريبا.
والحقيقة أن تعاون
الشركات والمراكز العاملة في هذا المجال مطلب حيوي لنجاح جهود ديكسون. على
سبيل المثال من التقنيات التي طورت من أجل استخدامها في الفضاء وشقت طريقها
على الأرض نظام الترشيح الحيوي الذي يستخدم في البيئات المغلقة تماما مثل
المكاتب بهدف تحسين جودة الهواء.
وكانت شركة كندا
لايف إنشورانس الكندية للتأمين أول من استخدم هذه التكنولوجيا التي تعرف
باسم الحوائط المتنفسة. هذه التكنولوجيا عبارة عن مادة توضع على الحوائط
تقوم بامتصاص الهواء وتنقيته وإعادة ضخه من جديد.
تقبلوا تحياتى