مكسيم شعيا.. مغامر لبناني يخترق لوح الجليد الشمالي

«

أهلاً وسهلاً إلى لا مكان».. عبارة ترحيب قالها الطيار الذي أوصل المغامر اللبناني مكسيم شعيا ورفيقيه عندما حطوا في القطب الشمالي.

«كنا 3 أشخاص في 10 بالمئة من مساحة الكرة الأرضية»، قال مكسيم بعد عودته إلى بيروت بعدما أنجز آخر مغامراته للتسلق إلى قمة المحيط المتجمد الشمالي، حيث غرس العلم اللبناني لحظة وصوله في الخامس والعشرين من أبريل الماضي، لترفرف أرزة لبنان على أعلى نقطة في العالم بقياس المسافة (من محور الأرض)، في وقت ترفرف في لبنان أعلام الأحزاب وشعارات الانتخابات النيابية.

«رحلة مضنية وخطيرة. وفي الحقيقة كانت أصعب بكثير مما توقعت»، أضاف مكسيم. وعندما سألناه عن سبب تحمله مشقة هذه المغامرات، سرق عبارة من جبران خليل جبران ليعبر عن هدف رحلاته، بالقول «لا تبحثوا عما يمكن أن يقدم لكم بلدكم، بل ابحثوا عما يمكن أن تقدموه لبلدكم».

«الرحلة الحلم» انطلقت من جزيرة إلسمير (Ellesmere) في كندا توجت حلم مكسيم في بلوغ «الأقطاب الثلاثة»، واستغرقت 53 يوماً، بدأها مع مغامرين آخرين، لوني دوبر وستيوارت سميث، في الثالث من مارس الماضي.

وكانت انطلقت الرحلة من أقصى الشمال الكندي، من جزيرة وورد هنت، اجتاز خلالها المستكشفون الثلاثة، نحو 650 ميلاً من الجليد، بواسطة مزلاجين لكل فرد، مع حمولة كبيرة يجرها كل منهم خلفه تشمل مستلزمات الرحلة.

وهي ليست المرة الأولى التي يغرس فيها مكسيم العلم اللبناني على أعلى قمم العالم. إذ كان ارتقى قمة ايفرست في مايو 2005، ووصل القطب الجنوبي أواخر عام 2007 بعد رحلة على الأقدام استغرقت 47 يوماً.

مكسيم الذي يعتبره مصرف عودة، حيث يعمل مكسيم، سفيره إلى القمم، قال «هديتي الصغيرة لبلدي أن أغرس علمه عالياً في الأقطاب والقمم».

وقد جعل هذا الانتصار الجديد، إضافة إلى بلوغ القطب الجنوبي والقمم السبع، وشعيا المغامر السادس عشر عالمياً على لائحة «الأقطاب الثلاثة» والرابع في إنجاز «القمم السبع» و«الأقطاب الثلاثة» معاً، ما يصنف لبنان ثالث بلد على لائحة هذه المنجزات بعد كوريا الجنوبية وإنجلترا.

وهو يرد نجاحه في بلوغه حلمه الى التصميم والمثابرة و«نكران الذات»، حيث تحدى ورفيقاه الظروف المناخية القاسية ووحشة الطبيعة وظلمة جليدية مخيفة، لا سيما وأن منطقة القطب الشمالي تشكل أحد أكثر الأماكن خطورة، لأنها تشمل محيطاً عمقه أكثرمن أربعة آلاف متر يغطيه جليد متنقل.

أضاف مكسيم «تطلبت بعثتنا بعثة بيري المئوية إلى القطب الشمالي مني، ومن زميلي أن نتحمل درجات حرارة تقارب 60 درجة تحت الصفر، وأن نواجه خطر الدبب القطبية القائم باستمرار، وأن نتغلب، إضافة إلى ذلك، على عدد كبير من العقبات كان أصعبها ضغط تشققات الجليد، ورقائق المياه الثلجية، وجليد رقيق، ورياح غربية عنيفة كانت تسبب انجرافاً سلبياً غير مألوف».

ويعترف شعيا بأن الفريق ساوره الشك أحياناً في إمكاني وصوله إلى القطب الشمالي عند الموعد المحدد أصلاًً. «كان علينا أن نحارب الخصم الأكثر إحباطاً للعزائم، هو ما يطلق عليه متسلقو الجبال اسم «الانجراف القطبي»، وهو تيار قوي يجرف الثلج باستمرار من القطب نحو الجنوب، كأنه بساط نقال عملاق، في حين أننا كنا نبذل جهوداً للتزلج نحو الاتجاه المعاكس تماماً، أي الشمال».

وكان كل يوم جديد يشكل تحدياً إضافياً، لكننا كنا نجاهد للتغلب عليها يوماً بيوم، محافظين على آمالنا ومذكرين أنفسنا بأن «غداً يوم جديد».

ورغم أن درجات الحرارة كانت ترتفع يومياً، فإن الوضع لم يكن يتحسن أبداً»، أضاف وشعيا. ثم أمست مغامرتنا كابوساً عندما نفد منا الطعام، وما يحتوي عليه من وحدات حرارية ضرورية، وذلك قبل ثلاثة أيام من بلوغ هدفنا شبه الوهمي... وكنا قد فقدنا الكثير من الوزن والقوة، رغم تناول كل منا الـ8000 وحدة حرارية اللازمة كل يوم لمقاومة البرد وجر المزلجة لمدة 15 ساعة في اليوم.

فحتى أجسامنا بدت نحيفة... ولحسن الحظ، تمكنا من تخزين الطعام من جديد من بعثة أخرى قريبة تجرها الكلاب، في سبيل إكمال رحلتنا وبلوغ مقصدنا قبل الموعد المحدد، أي 26 إبريل.

وهل تحقيق التحدي يفيده في حياته الشخصية، يجيب مكسيم: «طبعاً، كثيرًا».. فهو أصبح اليوم يحل كل مشكلاته بصبر وتعلم أن يشكر ربه، وتعلم أن لكل المشكلات حل و «إذا كانت لدينا مشكلة يجب ألا نضعف، ونظرته إلى الحياة تغيرت».

وشعور مكسيم اليوم يمتزج بالفخر، خصوصًا أنه حمل علم بلاده إلى أعلى قمم العالم، وبالنسبة إليه هناك رضا شخصي لما قام به. والكثيرون اعتقدوا أن «ما حققته ضرب من الجنون، لكنني أعتبره تحدياً كبيراً، وخلال هذا المشوار تعلمت وزادت ثقتي بنفسي وأصبح لدي حكمة أكثر ووصلت إلى مرحلة من الرضا، ونجحت في امتحان الحياة».

وعن المشاعر التي تخالجه قبل الحدث وأثنائه، ومن ثم من بعده، فيقول إنها مشاعر تتداخل فيها عناصر من الفرح والقلق والخوف بالمسؤولية و«أكثر من ذلك عنصر التحدي الذي بات يلازمني ويحاصرني عند كل استحقاق لجهة ضرورة أن أتفوق على ذاتي كي يمكن أن أتوفق على الطرف الآخر، وهو الطبيعة».

ويرى مكسيم فارقاً في المشاعر «إذ قبلُ يساورني القلق والترقب وتتنازعني التوقعات والاحتمالات، وأثناء الحدث يكون الجهد منصباً على مواجهة التحدي، وأصبح في عالم آخر أمام أقداري أغالبها، وربما تغلبني، لكن الشعور الأروع والأجمل بعدما يتحقق الانتصار، وأستعيد ذاكرتي، وأشعر بنشوة الفوز الذي يتجاوز شخصي بما هو مرتبط بوطني وشعبي وعائلتي الخاصة».

وبرأي مكسيم، «لكل منا أقداره التي لا يمكن أن يهرب منها.. فهي تحاصره، وإن استطاع أن يفلت منها لحين، إلا أنه ملاقيها في النهاية، وانطلاقاً من هذه القناعة الراسخة يمكن أن نتسلح أكثر في مواجهة هذه الأقدار والعمل على استيعابها والتسليم بها».

ويحاول مكسيم استخدام هذا النجاح لـ«تشجيع شبابنا، وهم مستقبل الوطن، على المثابرة لأنه ليس هناك من مستحيل إذا ثابر الإنسان وعمل بجدية». ويقول إنه ليس من المهم أن نصل، بل أن نكمل الطريق.

فإلى جانب ولعه بهذا النوع من الرياضات، قام مكسيم بعد إنجاز مهمته القممية الأولى في ايفرست بزيارة المدراس لينشر لدى الطلاب فكرته بأن «عزيمة الشباب تقهر القمم مهما بلغ ارتفاعها»، وأن «ارتفاع القمم ينحني أمام أقدام ذوي الإرادة الصلبة والمهارات العالية، وأن «علم لبنان يبقى شامخاً، مرفرفاً باعتزاز، يشهد على عزيمة اللبناني وتحديه الصعوبات مهما بلغت».

وماذا تقول لشباب لبنان الذين يريدون تحقيق أحلامهم؟ أجاب «لا تخافوا وحاولوا تحقيق أحلامكم وإذا كنتم جديون ستصلون».

ولكن ماذا بعد على لائحة أحلام مكسيم يجيب: «إلى الآن لم أخطط لشيء، ولكن وعدت أهلي بألا أقوم بمغامرة خطرة كتلك التي أنجزتها في القطب الشمال».

لقد استطاع مكسيم شعيا أن يكتب اسم لبنان على قمم العالم، لكن وزارة الشباب والرياضة اللبنانية لا تزال تستخف بالإنجاز الكبير الذي حققه. والحري بها أن تخصه بمكافأة مالية تقديراً لبطولته، كما هو معتمد في بلدان العالم الراقية.

مكسيم شعيا.. مغامر لبناني يخترق لوح الجليد الشمالي Article_8786

» لا شيء يخترق القلوب كلطف العبارة ***
» بعد الجليد
» بعد الجليد !!
» مكسيم خليل: لو كنت عمر لقتلت روبي!
» تحميل اغاني كلوديا الشمالي