قطر لم توافق.. فغاب جع
تتزاحم المؤشرات السلبية على الواقع اللبناني
المأزوم بفعل تداعيات الازمة السورية، وتخوض القوى اللبنانية المتخاصمة
حروبها الصغيرة بحذر شديد خوفا من انفلات الامور قبل اوانها، ولذلك يحاول
كل طرف تجميع اوراق القوة بين يديه تحسبا لتطورات تنبىء المؤشرات انها
ستكون شديدة التعقيد.واذا كان وجود «المايسترو» فاعلاً فقد سمح لمعسكر
الاكثرية تجديد «شبابه» واعادة الروح لتحالف الضرورة مع التيار «الوسطي»
نتيجة غياب البدائل في هذه المرحلة، وخوفا من الوقوع في الفراغ القاتل، لا
يبدو حال قوى 14 اذار على ما يرام وهي تحاول لملمة وضعها «المتشظي» بفعل
تخبطها السياسي وعدم وجود بوصلة موحدة لدى مكوناتها، وهو امر انكشف بشكل
كبير من خلال تعاملها مع دعوة رئيس الجمهورية ميشال سليمان الى جلسات
الحوار الوطني.
اوساط سياسية متابعة تشير الى ان عدم قدرة «تيار المستقبل» على لجم
اندفاعة حزب الكتائب وخروجه من «الصف» عندما تفرد بقبول دعوة الحوار قبل
مناقشة الامر مع الحلفاء،ليس هو الدليل على الوهن والضعف لدى هذا الفريق،
فحزب الكتائب لطالما سعى منذ البداية الى ايجاد مسافة مع حلفائه ويحاول
جاهدا ابراز تمايزه وحيثيته نتيجة «العقدة» المزمنة من القوات، لكن قرار
حزب «القوات اللبنانية» عدم المشاركة في هذا الحوار، يشير بشكل واضح الى
وجود خلل كبير ليس في الاجندة الداخلية لهذه الاطراف وانما في تعدد
الارتباطات الخارجية لفريق 14 اذار.
وتقول الاوساط ان خروج جعجع عن اجماع حلفائه سواء كان برضى منهم او بغير
رضى ليس هو «مربط الفرس»، فتيار المستقبل يذهب الى الحوار وهو غير مقتنع
بجدواه، ولكنه مضطر استجابة للتمنيات السعودية، اما جعجع فهو يقاطع الحوار
نتيجة غياب الموافقة القطرية، حيث لا ترى الدوحة اي جدوى من اعادة تعويم
«الحكومة الانقلابية» التي ولدت على انقاض المبادرة القطرية التركية التي
رفضها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وهذا الامر يؤكد ان هذا
الطرف الفاعل في ادارة «الربيع العربي» ورعايته ماليا واعلاميا، لا يريد ان
ينسى ولا يريد ان يسامح، وهو لديه اجندة مختلفة يعمل عليها منفردا ولم يعد
يقبل ان يكون جزءا من حصة احد، وهو يعمل على ايجاد موطىء قدم مستقل عن
السياسة السعودية في العالم العربي، ولديه «رجاله» في كل مكان ولبنان ليس
استثناء.
وانطلاقا من هذا المشهد تشير الاوساط ذاتها الى أن طاولة الحوار ستنعقد
يوم الاثنين بغياب طرفين فاعلين يمكن الرهان عليهما في «خربطة» اي تفاهم
مرتقب على ايجاد مناخ للتهدئة على الساحة اللبنانية، فمن جهة يغيب ممثل
«السلفية» المسيحية عن الطاولة وهو يشق طريقه المستقل عن زملائه الذين
طالما اتهمهم بالجبن وعدم القدرة على المواجهة واتخاذ خيارات صدامية، خصوصا
حزب الكتائب وتيار المستقبل. وفي المقلب الاخر يغيب عن الطاولة ممثل
السلفية السنيّة الذي لم يحجز بعد مقعدا له على هذه الطاولة ولكنه الاقوى
«تحت الطاولة»، فهذا الطرف الذي يهرب الجميع من تكريسه كقوة مستقلة يشكك
بجدوى الحوار مع «سلاح حزب الله»، هو الجهة الفاعلة على الارض وقد اثبتت
احداث الشمال ومعارك طرابلس ان اياً من القوى الممثلة للسنة على طاولة
الحوار لا تملك السيطرة الفعلية على هذا التيار الذي يشق ايضا طريقه بنفسه
وبات جزءا من معادلة مستقلة لها حيثيتها الداخلية وارتباطاتها الخارجية،
وهو يملك قرار الشارع، وبيده قرار «السلم والحرب»، وبيده فرض اولوياته
وشروطه على كافة القوى في المعارضة والموالاة، ومن شاهد محاباة كبار
المسؤولين الحكوميين وتنافسهم الحاد على تهدئة خواطر هذه القوى بعد قضية
شادي المولوي، يعرف مدى تأثير هذا التيار وقدرته على تغيير المعادلات.
وتشير الاوساط نفسها الى ان هذين العاملين يشكلان الركيزتين الاهم في
السياسة القطرية في لبنان، وهما يأكلان من رصيد تيار المستقبل السياسي،
خصوصا التيار الاسلامي في الساحة السنية، ولذلك يذهب «التيار الازرق» الى
الحوار وهو منهك ولا يملك اوراق قوة تمنحه فرض شروطه، وعلى العكس من ذلك
فهو سيتكبد المزيد من الخسائر الداخلية، لانه لم يقنع احداً من جمهوره
بالاسباب التي تدفعه للذهاب الى بعبدا يوم الاثنين، والاهم من ذلك انه لا
يملك اي حجج منطقية لتخليه عن شرط استقالة الحكومة قبل استئناف الحوار،
ولذلك سيقطف جعجع مجددا في السياسة وسيقدم نفـسه كزعيم فعلي للاقلية واحد
اهم صــقورها، فيــما سيستفيد التيار الاسلامي مجددا من تسرب جمهور
المستقبل الذي لا تستهويه هذه الايام سوى لغة التصعيد وليس المهادنة.
وفي ظل غياب «السلفيتين» عن طاولة الحوار ،يمكن الاستنتاج ان التصعيد
سيكون سمة المرحلة المقبلة، في ظل تحضير الساحة اللبنانية لتلقف التصعيد
المرتقب على الجبهة السورية. وهذا الامر يجعل من طاولة الحوار مجرد «ملهاة»
حسب توصيف جعجع، اما قول رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط
بان حجم اي فريق لبناني ومن اي مستوى لا يتيح له تغيير اي شيء في لعبة اكبر
منه، واكتشافه المتاخر ان «اللعبة» اصبحت بأيدي اللاعبين الدوليين الكبار،
ودعـوته الاطراف السياسة الى «النأي بالنفس»، فليست الا وصــولاً متأخراً
«لزعيم المختارة» الذي كان اول المساهمين في ادخال لبنان في قلب «العاصفة
الســورية»، وما يقوله اليوم حذرت منه قوى سياسية فاعلة منذ اليوم الاول
لاندلاع الازمة السورية، لكن الحسابات الخاطئة التي بنيت على تسرع في توقع
سقوط النظام السوري هي من ستورط لبنان «بالفوضى» الدموية المتفلتة من اي
ضوابط، واذا كان اي طرف لبناني غير قادر على السيطرة على مجريات الاحداث او
التحكم بها،فهذا لا يمنع بعض الجهات الباحثة عن دور من لعب دور
«الكومبارس» حتى لو ادى ذلك الى احراق البلد.