Queen Kadiji
نقاط : 8931 عدد المساهمات : 2528 السٌّمعَة : 10 تاريخ التسجيل : 05/01/2012 العمر : 34 الاقامة : lebanon تعليق : اطلبوا العلم ولو في الصين
| موضوع: شرح حديث محبة الله للمؤمن القوي (وفي كل خيراحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز .). *** 09.06.12 19:15 | |
| وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف, وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيئا فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان »1 رواه مسلم.
هذا الحديث كما قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في شرحه، وأنا أنصح أن تقتنوا شرح هذه المجموعة من الأحاديث كتاب (بهجة قلوب الأبرار, شرح جوامع الأخبار , قرة عيون الأبرار في شرح جوامع الأخبار).
أفاض في شرح هذا الحديث وأبدع وأجاد رحمه الله، وقال في مستهل كلامه: إن هذا الحديث اشتمل على جملة أصول من أصول الدين، ثم بسط القول فيها وأجاد رحمه الله، فينبغي أن تقرءوا شرحه لهذه الأحاديث، ولكنه في هذا الحديث بسط كثيرا.
قوله صلى الله عليه وسلم: « المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير »1 .
القوة والضعف ليس المراد بها القوة الحسية قوة البدن؛ بل القوة قوة الإيمان القوة في الإيمان قوة الإيمان، وقوة الإيمان تثمر الأعمال الصالحة وتحصيل العلم، القوة في تحصيل العلم وفي القيام بالأعمال الصالحة.
وفي المقابل المؤمن الضعيف: ضعيف الإيمان، ضعف الإيمان يكون بنقص العلم وبنقص العمل، فيشمل يعني يشمل المقتصِد ويشمل الظالم لنفسه، « وفي كل خير »1 كل المؤمنين فيهم خير؛ لأن الإيمان نفسه خير، وكل عمل صالح فهو خير، ولكن المؤمنين يتفاضلون في هذا الإيمان ويتفاضلون في ذلك الخير.
« المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير »1 قال الله تعالى: ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾2 الكل موعود بالثواب وبالخير، لكن مع الفارق.
الصحابة يشتركون في فضل الصحبة، لكنهم ليسوا فيها على مرتبة واحدة، وهكذا جميع شئون الإسلام الناس فيها على مراتب، فالمقامات ثلاثة: مقام الإسلام ومقام الإيمان ومقام الإحسان, هذه المراتب بعضها فوق بعض.
« المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير »1 ومن ثمرات الإيمان محبة الله فالله يحب المؤمنين، ولكن حظ المؤمن القوي من ذلك أعظم؛ فالمؤمن القوي أحب إلى الله ثم كل أهل مرتبة هم متفاضلون، فالأولياء أولياء الله ليسوا على مرتبة واحدة، الأنبياء والرسل متفاضلون أيضا في أنفسهم، الأنبياء ﴿ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ ﴾3
فكل من كان أكمل في العلم والدين والتوحيد والقيام بما أوجب الله كان أحب إلى الله، وهذا يقتضي أن أحب الخلق إلى الله هو الرسول صلى الله عليه وسلم ثم إبراهيم وهما الخليلان ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾4 واتخذا محمد خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا.
وفي هذا الحديث إثبات المحبة لله وأنها تتفاضل هذا ظاهر، والنصوص الدالة على إثبات المحبة لله كثيرة في القرآن ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾5 ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾6 ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾7 ﴿ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾8 .
وهذا ما عليه أهل السنة والجماعة يثبتون المحبة لله مع نفي التمثيل؛ خلافا للمبتدعة الذين ينفون الصفات ومن ذلك المحبة، فيقولون: الجميع يقولون: إن الله لا يُحِب ولا يُحَب، ثم الذين ينفون المحبة عن الله يتأولونها إما بالإرادة أو بأشياء مخلوقة، وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه، فيجمعون بين التعطيل والتحريف.
والحق أنه تعالى يحب من شاء ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾9 فلمحبة الله سبب وهو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ يعني الذي يشمل الإيمان بالله والعمل بطاعته ﴿ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾9 ﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾10 .
أما القوة البدنية فهي من جملة النعم التي يبتلى بها الإنسان, إذا استعملها في طاعة الله كانت خيرا وإن استعملها في معصية الله كانت شرا، إذًا فالمراد بالقوة والضعف هي القوة المعنوية المتعلقة بالإيمان والعلم والعمل الصالح.
وفي هذا دلالة على أن الإيمان يزيد وينقص، فالإيمان يتفاضل والمؤمنون يتفاضلون في إيمانهم في علمهم في تقواهم، ثم قال عليه الصلاة والسلام: « احرص على ما ينفعك واستعن بالله »1 فأمره بأمرين.
فقوله: « احرص على ما ينفعك »1 الحرص شدة الرغبة على ما ينفعك وعلى موجب العقل والشرع، قال ابن نافع: وهذا موجب الشرع، فالشرع جاء بالإرشاد إلى الأسباب النافعة والأخذ بالأسباب النافعة، والمنافع نوعان: منافع دينية ومنافع دنيوية؛ والمنافع الدنيوية لا بد للإنسان منها وهي وسيلة إلى القيام بالمنافع الدينية.
المال الحلال وسيلة إلى كثير من الأعمال الصالحة؛ يعني هذه المنافع الدنيوية هي نِعم إذا استعملت في طاعة الله كانت نعما تامة وإلا كانت خسارة أو ضررا ﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾11 وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾12 .
المنافع الدينية معروفة، المنافع الدينية كل ما يحبه الله سبحانه وتعالى, وكل ما أمر الله به من واجب ومستحب، والحرص على ما ينفع يستلزم الحرص على ترك ما يضر، فلا بد من طلب المنافع ولا بد من تجنب المضار.
« احرص على ما ينفعك »1 فيشمل المنافع الدينية التي جعلها الله سببا لسعادة الدنيا والآخرة، أصل ذلك وأوله الإيمان العلم الأعمال الصالحة على اختلافها.
فهذه الوصية تتناول الاجتهاد في التقرب إلى الله بأنواع القربات، من الصلاة فرضها ونفلها والصدقات فرضها ونفلها والصيام فرضه ونفله والحج والجهاد وبر الوالدين وصلة الأرحام وذكر الله بأنواعه، هذه أعظم الأسباب النافعة.
المنافع الدنيوية المال الحلال طلب كذلك الزوجة الصالحة الذرية طلب الذرية، هذه مطالب هي يقتضيها الطبع ويدعو إليها الشرع، لكن لغاية سامية أن تكون وسيلة ومعينة على ما يحبه الله سبحانه وتعالى « لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار, ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه أو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار »13 .
ومن المنافع الدينية والدنيوية اختيار الصحبة الصالحة، الصاحب والجليس مما يطلب من الدين والدنيا، فيجب اختيار الصاحب الذي تحصل بصحبته المنافع والجليس الصالح.
فالمقصود أن قوله عليه الصلاة والسلام: « احرص على ما ينفعك »1 كلمة جامعة يدخل فيها كل ما ينفع من أمر الدين والدنيا، ومفهوم هذا البعد عن ما يضر أو ما لا ينفع، فمن النقص الاشتغال بما لا ينفع وإن لم يضر.
ولهذا قيل في الفرق بين الورع والزهد: أن الورع ترك ما يضر في الآخرة والزهد ترك ما لا ينفع. ولهذا نقول: أيهما أكمل الورع أم الزهد؟ الزهد أكمل؛ لأنه ترك ما لا ينفع، ومن ترك ما لا ينفع لا بد أن يترك ما يضر، فالزهد أكمل من الورع، وعلى هذا فالورع واجب والزهد مستحب، ترك ما لا ينفع هذا مستحب.
قال: « واستعن بالله »1 الاستعانة طلب العون من الله، وهذه يتضمن الإيمان بالقدر فتضمن الأمرين الإيمان بالشرع والقدر, فالشرع جامع للأسباب النافعة، والاستعانة بالله تتضمن الإيمان بالقدر ولا يحصل للعبد مطلوب إلا بتوفيق الله ومعونته وتقديره وتدبيره « واستعن بالله »1 .
ونظير هذا قوله تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾14 فالعبادة هي أنفع ما يكون للعبد، عبادته لله هي أنفع ما يكون، هي تجمع المنافع الدينية ويدخل فيها المنافع الدنيوية إذا استعين بها على عبادة الله سبحانه وتعالى ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾14 فلهذا قال أهل العلم: إن هذه الآية قد جمعت الدين كله، فالدين كله داخل في مفهوم العبادة والاستعانة ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾14 .
وكثيرا ما يقرن الله بين هذين الأمرين؛ بين ما يتضمن الإيمان بالشرع ويتضمن الإيمان بالقدر ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾15 ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾16 فجمع بين التقوى والتوكل والعبادة والتوكل والعبادة والاستعانة.
وهكذا هاتان الوصيتان في هذا الحديث « احرص على ما ينفعك واستعن بالله »1 تضمن الأصلين؛ الإيمان بالشرع والإيمان بالقدر، فلا يعتمد العبد على نفسه وعلى سببه.
ونبه الشيخ عبد الرحمن السعدي أخذا من الجمع بين هاتين الوصيتين إلى أن الوصول إلى المطالب يحصل بالحرص أولا بصدق الرغبة, ويحصل ثانيا بالجد في فعل الأسباب الموصلة إلى المطلوب، والثالث الاستعانة بالله واستمداد فضله وعطائه.
فإذا توفرت هذه الأمور: صدق الرغبة, وفعل السبب, والتوكل على الله والاستعانة به، فإنه لا بد بتوفيقه سبحانه وتعالى أن يحصل ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾17 .
قال:"ولا تعجز" وهذا في مقابل الأمرين « احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز »1 العجز في مثل هذا السياق يراد به ضعف الإرادة والعزيمة والتقصير في الأخذ بالأسباب، فالرسول صلى الله عليه وسلم قابل بين الحرص والاستعانة، وبين العجز « احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز »1 .
كما جاءت المقابلة في هذا بين "الكيس والعجز" الكيس هو يشمل الحرص على المنافع وطلب ما ينفع في الدنيا والآخرة « الكيس من دان نفسه -حاسب نفسه- وعمل لما بعد الموت »18 هذا هو الكيس والجد والصدق والحزم « والعاجز من أتبع نفسه هواها »19 فلم يطلب ما ينفعه في الآخرة، « والعاجز من أتبع نفسه هواها »19 فالعجز يكون بضعف الإرادة والرغبة وهو ضد الحرص وبتعطيل وترك الأسباب، وحقيق لمن هذه حاله ألا يظفر بمطلوب.
فالفوز والظفر إنما يكون لذوي العزمات والمجاهدات والعزمات « احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز »1 .
ثم لما كان الإنسان إذا طلب الشيء قد يظفر به وقد يفوته كما يقال: فوات الحرص، الأمر لله، لكن الإنسان إذا طلب واجتهد وجاهد الحمد لله فعل المستطاع، قال: « فإن أصابك شيء »1 يعني من فوت مطلوب أو حصول مكروه، إن أصابك شيء بعد فعلك لما تستطيعه من الأسباب في تحصيل المنافع إن أصابك شيء « فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا, ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل »1 يعني قل: هذا قدره، سلّم.
وهذا يتضمن الصبر والتسليم لقدر الله والرضا عن الله، هذا قدر الله, والله تعالى فعال لما يريد وما شاء فعل، الله يفعل ما يشاء، والعبد لا يملك إلا فعل الأسباب، العبد من جانبه فعل السبب أما حصول المطلوب فذلك إلى الله ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾20 .
وإن أصابك شيء هو خلاف ما تطلبه وتؤمله من فوت منفعة أو حصول مضرة فكلاهما مصيبة « فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا »1 وهذه المقولة تتضمن القول على الله بغير علم رجما بالغيب، وما يدريك أنك لو فعلت ذلك السبب حصل مطلوبك، هذا كذب وباطل رجما بالغيب « لو أني فعلت كذا لكان »1 يعني جزم، ويتضمن من الفساد الاعتماد على السبب، والاعتماد على السبب شرك في التوحيد.
فهذه المقولة تتضمن أن الأسباب يعني حتمية التأثير، يقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ونظير هذا ما جاء في القرآن عن الذين ذمهم الله بنحو هذه المقالات، فمن مقولات الكفار: ﴿ لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ﴾21 وما يدريه؟ الموت يصيب المسافر والغازي والمقيم هذا باطل ﴿ لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا ﴾21 ﴿ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ﴾22 قد يقتل الإنسان وما خرج، ومن كتب عليه القتل لا بد أن يخرج ﴿ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ﴾23 .
فإذا فعل الإنسان الأسباب المتاحة المشروعة ثم لم يحصل له المطلوب فلا يجزع ولا يتحسر، بل عليه أن يفوض الأمر إلى الله ويستشعر ويستحضر الإيمان بالقدر ويسلم أمره إلى الله، هذا قدر الله، « قدر الله وما شاء فعل, فإن لو تفتح عمل الشيطان »24 لو كان كذا.
وهذا أكثر ما يكون في مطالب الدنيا والتحسر على ما فات منها هذا بين الله تعالى قال: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾25 .
أما التأسف على ما يفوت من خير الآخرة من أمور الدين فذلك محمود، إذا فات الإنسان نتيجة التفريط أو غير تفريط أو لم يفرط، إذا فاته أمر فأسف لذلك فهذا مما يدل على كمال رغبته في الخير فالله أثنى على الذين قال فيهم: ﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾26 فـ"لو" التي هي من عمل الشيطان هي ما تتضمن التحسر على شيء من منافع الدنيا, وتتضمن كما قلت الاعتماد على الأسباب والغفلة عن قدر الله سبحانه وتعالى.
فالإيمان بالقدر يتضمن الصدق، يقتضي الصبر والتسليم والرضا بحكم الله، فلا يقول المسلم إذا فاته مطلوب: لو فعلت لكان كذا.
فتضمن هذا الحديث تقرير الإيمان بالشرع والإيمان بالقدر، وأن الإيمان بالقدر لا ينافي فعل الأسباب، فهذان أصلان، الشرع يقتضي فعل الأسباب، الشرع والعقل يقتضيان فعل الأسباب، فتعطيل الأسباب قدح في الشرع مخالفة للشرع، ففعل الأسباب منها ما هو واجب, ومنها ما هو مستحب, ومنها ما هو مباح، والاعتماد على الأسباب شرك في التوحيد وغفلة عن الله وغفلة عن الإيمان بالقدر.
فينبغي للمسلم أن يجمع بين الأمرين؛ بين الإيمان بالقدر المقتضي للتوكل على الله والاستعانة بالله، والإيمان بالشرع المقتضي للأخذ بالأسباب، وهذا ما تضمنه قوله عليه الصلاة والسلام: « احرص على ما ينفعك »1 كما تقدم « احرص على ما ينفعك واستعن بالله »1 وحقيقة هذا هو الجمع بين العبادة والاستعانة كما في الآيات ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾14 .
والناس في هذا المقام أنواع: منهم من يعبده ويستعين به وهم أهل الهدى والرشاد، ومنهم من يعبده ولا يستعين به، ومنهم من يستعين به ولا يعبده، وشر الأقسام من لا يعبد الله ولا يستعين بالله. نعم يا شيخ سليمان.
1 : مسلم : القدر (2664) , وابن ماجه : المقدمة (79) , وأحمد (2/370). 2 : سورة الحديد (سورة رقم: 57)؛ آية رقم:10 3 : سورة الإسراء (سورة رقم: 17)؛ آية رقم:55 4 : سورة النساء (سورة رقم: 4)؛ آية رقم:125 5 : سورة التوبة (سورة رقم: 9)؛ آية رقم:4 6 : سورة المائدة (سورة رقم: 5)؛ آية رقم:42 7 : سورة البقرة (سورة رقم: 2)؛ آية رقم:222 8 : سورة الحجرات (سورة رقم: 49)؛ آية رقم:9 9 : سورة آل عمران (سورة رقم: 3)؛ آية رقم:31 10 : سورة المائدة (سورة رقم: 5)؛ آية رقم:54 11 : سورة التوبة (سورة رقم: 9)؛ آية رقم:55 12 : سورة سبأ (سورة رقم: 34)؛ آية رقم:37 13 : البخاري : التوحيد (7529) , ومسلم : صلاة المسافرين وقصرها (815) , والترمذي : البر والصلة (1936) , وابن ماجه : الزهد (4209) , وأحمد (2/152). 14 : سورة الفاتحة (سورة رقم: 1)؛ آية رقم:5 15 : سورة هود (سورة رقم: 11)؛ آية رقم:123 16 : سورة الطلاق (سورة رقم: 65)؛ آية رقم:2 - 3 17 : سورة العنكبوت (سورة رقم: 29)؛ آية رقم:69 18 : الترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2459) , وابن ماجه : الزهد (4260). 19 : الترمذي : صفة القيامة والرقائق والورع (2459) , وابن ماجه : الزهد (4260). 20 : سورة التغابن (سورة رقم: 64)؛ آية رقم:16 21 : سورة آل عمران (سورة رقم: 3)؛ آية رقم:156 22 : سورة آل عمران (سورة رقم: 3)؛ آية رقم:168 23 : سورة آل عمران (سورة رقم: 3)؛ آية رقم:154 24 : مسلم : القدر (2664) , وابن ماجه : المقدمة (79). 25 : سورة الحديد (سورة رقم: 57)؛ آية رقم:22 - 23 26 : سورة التوبة (سورة رقم: 9)؛ آية رقم:92
| |
|
Bilal haydar
نقاط : 6119 عدد المساهمات : 802 السٌّمعَة : 6 تاريخ التسجيل : 09/11/2010 العمر : 40 الاقامة : lebanon تعليق : أنتي بحياتي كل شي .... أنا بحياتك من اكون ؟؟
حلول البطاله؟!
| موضوع: رد: شرح حديث محبة الله للمؤمن القوي (وفي كل خيراحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز .). *** 24.06.12 11:49 | |
| | |
|