السعودية خائفة من البحرين
عندما يُكتب التاريخ الصحيح الحقيقي لثورات
الربيع العربي لن يكون من الضروري مراجعة النهايات التي انتهت اليها فحسب،
بل سيكون من الضروري مراجعة البدايات ايضاً.
والبداية الاولى لثورات الربيع العربي لم تكن في تونس، أي لم تكن في حدث
انتحار الشاب التونسي بوعزيزي. فهذه كانت بداية ثورة تونس حقاً ولكنها لم
تكن البداية لثورات الربيع العربي. ثورات الربيع العربي بدأت بعيداً كثيراً
عن تونس، بل بعيداً كثيراً عن عيون الإعلام العربي التي تعرف اين تنتقي
وتفلت منها هذه المعرفة في احيان كثيرة.
البداية الحقيقية كانت في البحرين. في وقت ليس سابقاً بكثير على وقت
تفجر الثورة التونسية، لكنه على أي الأحوال سابق عليها. في البحرين كانت
البداية، والبداية لا تزال مستمرة. أما كيف أمكن إخفاء البداية بل ومحاولة
طمسها فإن الامر يتعلق لا بالبحرين إنما بالسعودية. السعودية تملك من المال
والنفوذ والسلطان على منطقة الخليج ما يمكنها من تغيير الحقائق وتغيير
مسار التاريخ اذا لزم الامر، وهي لا تكون في مثل هذه الجهود وحدها. إنها
تجر وراءها الإعلام العربي في معظمه، بل ومعظم الإعلام الغربي، بما في ذلك
الإعلام الذي يملك السطوة والتأثير العظيمين في العالم وهو الإعلام
الأميركي.
إنما لا يبدو ان السعودية قادرة على وأد ثورة البحرين لا على ارض الواقع
ولا على فضائيات الإعلام. ثورة البحرين تبرهن على قدرتها على الاستمرار،
بل تبرهن على قدرتها على الاستمرار في إفزاع المارد السعودي المجاور وإظهار
مدى خوفه من ثورة البحرين الصغيرة بكل المقاييس، عدا الثورة والإصرار
والاستمرار.
هذه هي الصورة الراهنة لمشروع ابتلاع المملكة العربية السعودية البحرين
الذي كان مقرراً أن يعلن في صورة اتحاد بين البلدين في الرياض قبل أسابيع
قليلة. ولكن ما كان منتظراً لم يتحقق وتأجل إعلان اتحاد البحرين والسعودية
الى وقت آخر، ربما يحين عندما يعقد اجتماع القمة لمجلس التعاون الخليجي في
موعده الدوري المقرر في شهر كانون الاول المقبل.
حتى الآن لم يعرف سبب حقيقي لهذا التأجيل وقد لا يعرف في اي وقت ولكن من
الواضح ان عملية الابتلاع لم تبد بالسهولة التي تخيلها المارد السعودي.
ذلك ان الفوارق بين البلدين لا تتعلق فقط بالحجم إنما تتعلق بدرجة تقدم
المكونات السياسية في كل منهما ولصالح الكيان الاصغر حجماً.
المملكة العربية السعودية تبلغ من حيث المساحة مليونين و150 الف كيلو
متر مربع. اما البحرين فلا تتجاوز مساحة 757 كيلو متر مربع. السعودية يزيد
تعداد سكانها على 26 مليون نسمة (حسب آخر تعداد جرى في العام 2010)، اما
البحرين فلا يتجاوز تعداد سكانها مليوناً واحداً و206 آلاف نسمة (2010)،
نسبة الشيعة بينهم 58 في المئة والسنة 24 في المئة. مع ذلك فإن الطبقة
الحاكمة (التي اختارت التحول الى النظام الملكي في العام 2006) تتألف من
السنة وحدهم. إجمالي الدخل القومي السعودي 472 مليار دولار (2008) مقابل 14
ملياراً للبحرين.
مع ذلك فإن البحرين تتجاوز السعودية بمسافة كبيرة من حيث التركيبة
السياسية والتركيبة التعليمية والثقافية بشكل عام. وربما يرجع هذا الى ان
البحرين ـ وهذه حقيقة نتصور انها غير معلومة على نطاق واسع في العالم ـ
ليست دولة نفطية، انما تعتمد على موارد محلية اخرى تنتجها طبقة عاملة اكثر
تطوراً. وتستورد البحرين سنوياً نفطاً لاستهلاكها المحلي بما يصل الى نسبة
51 في المئة من اجمالي وارداتها. اما السعودية فإن نسبة النفط من صادراتها
الى الخارج تصل الى نحو ثمانين في المئة من إجمالي هــذه الصادرات. ويبــلغ
تعداد افراد القوات المسلحة السعودية 221 ألف عنصر، ويبلغ نصيب الفرد
السعودي من الإنفاق العسكري 1540 دولاراً في العام.
وقد عاشت البحرين تحت احتلال برتغالي استمر من العام 1521 الى العام
1602 وتحت الاحتلال البريطاني من العام 1920 الى العام 1971. وشهدت نضالاً
وطنياً ضد الاحتلال ارتفع بمستوى الحياة السياسية فيها ليسبق بلدان الخليج
الاخرى النفطية. وطوال عهودها الماضية، عانت البحرين من التشتت بين
انتمائها العربي وإصرار إيران على أنها جزء منها، وهو وضع كان شديد التوتر
طوال حكم الشاه الإيراني ولكنه خفّ كثيراً منذ قيام الثورة الإيرانية في
عام 1979.
في المقابل، يبدو أن أنباء سعي السعودية الى ضمّ البحرين في اتحاد معها
أعادت الى إيران لهجة التحذير من هذا المشروع ووصف مجلس الشورى الايراني
(البرلمان) المسعى السعودي بأنه يقوم على تصور خاطئ بأن البحرين «لقمة
سائغة». وطالب بعض النواب الايرانيين حكومتهم بالقيام بعمل دبلوماسي جاد
ازاء خطة السعودية التي وصفوها بأنها يمكن أن تثير الازمات في المنطقة.
وعمد 190 نائباً في البرلمان الإيراني الى إصدار بيان جاء فيه ان «هذه
الخطوة غير المنطقية ستؤدي بالتأكيد الى تعزيز الانسجام والاتحاد بين ابناء
الشعب البحريني في مواجهة المحتلين، وستنقل الأزمة البحرينية الى السعودية
وستدفع المنطقة الى فوضى واسعة النطاق، اذ لا يمكن تهدئة الشعوب بالقوة
وبالضغوط السياسية». والواقع ان الحرب الكلامية اشتعلت بين حكومتي البحرين
والسعودية من ناحية وإيران من ناحية اخرى، واستدعت البحرين القائم بأعمالها
في طهران، كما استدعت سفير طهران في المنامة للفت نظره الى مواقف إيران
المناهضة للبحرين. ووصف مسؤول برلماني إيراني سلوك السعودية تجاه البحرين
بأنه يتعارض مع ميثاق الامم المتحدة …إن حكّام البحرين لا يملكون الحق في
بيع البلاد الى دولة اخرى».
في الوقت نفسه، اكد المراسل البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الاوسط
ايان بلاك (صحيفة الغارديان) ان المعارضة البحرينية ترفض، وقد اعلنت بالفعل
رفضها، فكرة الاتحاد بين السعودية والبحرين ومطالبتها بإجراء استفتاء يشمل
دول الخليج جميعاً في شأن هذا الاتحاد. وتدل التظاهرات العارمة التي هزت
السعودية، مع أنها جرت على ارض البحرين، ضد فكرة اتحاد الابتلاع على مدى
وعي جماهير البحرين للهدف النهائي من هذا الضم القسري. انه محاولة لوقف
تيار الثورة من الامتداد الى خارج البحرين في اي اتجاه كان، وبالأخص اذا
اتجه صوب السعودية. وفي السعودية فإن ظروف الثورة وعواملها تنتشر فوق الارض
وتحت الارض. تنتشر بين ابناء «الطائفة» الشيعية في المناطق التي تسجن فيها
الطائفة، كما بين ابناء «الطائفة « السنية حيث تنتشر مظالم النخبة الملكية
الحاكمة. وقد تبدو ظاهرة مثيرة للدهشة ان تظهر السعودية كل هذا الخوف من
تأثيرات ثورة الشعب البحريني، ولكن هذا الخوف دليل واضح على مدى اهتزاز
النخبة الملكية هناك امام احتمالات انتشار هذه «المعارضة « عبر الحدود بين
بلدان الخليج.
وربما تخشى السعودية اكثر ما تخشى وجود ودور الحزب الشيوعي البحريني
الذي يلعب دوراً مهماً في حياة البحرين السياسية والثقافية منذ تأسيسه في
خمسينيات القرن العشرين، وإن كان النظام الحاكم لأسرة الحمد قد فرض على هذا
الحزب ان يمارس دوره النضالي «تحت الارض». فالحزب يلتزم العمل السري منذ
سنوات طويلة. ولكن الاحزاب الشيوعية العربية والعالمية كثيراً ما تشير الى
دور الحزب الشيوعي البحريني باعتباره اهم الأدلة على وجود الحركات التقدمية
في هذا البلد الذي يتميز عن بلدان الخليج الاخرى بوجود طبقة عاملة قوية
وواعية. وهو امر لا تستطيع النخبة الحاكمة السعودية ان تحتمله او تغفره.
ويصف الحزب الشيوعي البحريني نفسه بانه «حركة الطليعة الواعية المنظمة
للطبقة العاملة في البحرين. يتبنى الحزب في سياساته وعمله إلغاء استثمار
الانسان للانسان واضطهاد شعب لشعب ويهدف الى بناء مجتمع ديموقراطي. ويدعو
الى حمل السلاح والنضال ضد الطبقة الحاكمة الظالمة. ويدعو الى العمل للتغلب
على الطائفية بكل أنواعها».
وقد ذكرت وكالة «رويترز» البريطانية للانباء – في برقية لها من الرياض –
ان المعارضة البحرينية ترفض مشروع الاتحاد الذي تريد السعودية فرضه على
البحرين وذلك باعتباره مشروعاً يهدف في الاساس الى تجنب الاصلاح السياسي.
ولا يستقيم هذا المعنى الا اذا اعتبرنا ان الاسرتين الحاكمتين في السعودية
والبحرين يجمع بينهما هذا الميل الى تجنب الاصلاح السياسي في البلدين وليس
في البحرين وحدها. ويجدر بالذكر هنا ان الافكار التي اعلنت عن هذا الاتحاد
تبقي على كياني الدولتين بل وتبقي على عضوية كل منهما في الامم المتحدة.
كما ان المشروع الاتحادي يشمل مجالات العلاقات الأمنية والعسكرية
والاقتصادية. وأضافت وكالة «رويترز» ـ نقلا عن صحف محلية في السعودية
والبحرين ـ ان الحكومتين تسعيان مبدئياً الى إقامة اتحاد بينهما في ظل قلق
يساور البلدين من مشاعر السخط بين المواطنين الشيعة تجاه الأسرتين
الحاكمتين اللتين تتهمان ايران بإذكاء هذه المشاعر وهو ما تنفيه الحكومة
الايرانية.
وليس خافياً على من يتابع تطورات منطقة الخليج ان البحرين كانت مبكرة في
الثورة ضد الهيمنة الطائفية والتسلط القمعي الذي تمارسه الاسرة المالكة
الحاكمة، وان النخبة الحاكمة اضطرت الى الاستنجاد بالسعودية التي سارعت الى
ارسال قوات منها لقمع مظاهرات البحرينيين ضد الهيمنة الطائفية والقمع
السياسي. وقد بدا كأن القوات السعودية نجحت في إخماد المظاهرات الاحتجاجية
ولكن استمرار الاحداث دل على عكس ذلك. ولا تزال البحرين تشهد المظاهرات
والاضطرابات في وجود قوات النجدة السعودية.
ويرى المراسلون الغربيون في منطقة الخليج ان المسؤولين البحرينيين يرون
في الاتحاد مع السعودية «طريقاً الى تبرير مزيد من القمع ضد الغـــالبية
الشيعية في الجزيرة، وهو الهدف الذي سعت اليه القوات السعودية عـــندما غزت
البحرين لقمع احتجاجات البحرينيين المطالبين بإجراء انتخابات حرة».
والآن يبدو ان السعودية اصبحت تخشى تأثيرات القوى التقدمية البحرينية
على الأوضاع السعودية الداخلية. وربما اعتقدت ان ادماج البحرين معها في هذا
النوع من الاتحاد يمنح السعودية فرصة اكبر للتدخل في البحرين من دون اثارة
اعتراضات خليجية او عربية او عالمية.
ان البحرين تستضيف في اراضيها اكبر قاعدة عسكرية اميركية في منطقة
الخليج. وقد تجنبت القاعدة حتى الآن التدخل ضد تظاهرات القوى الثورية، ولا
يمكن الجزم بأنها ستتجنب هذا التدخل كل الوقت وبعد ان يتم ابتلاع السعودية
للجزيرة. لم يكن بين أهداف إقامة هذه القاعدة العسكرية الاميركية في
البحرين ان تخمد القاعدة الاميركية «القلاقل الداخلية» في البحرين، ولكن
ليس من المتصور ان تتجنب القاعدة التدخل في الشان البحريني المتعلق بالحكم
او المتعلق بالديموقراطية او التركيب الطائفي اذا بدا ان هذه امور يمكن ان
يصل تأثيرها الى المملكة السعودية. انما المؤكد ان صانع القرار الاميركي
سيبقي اختيار التدخل الى ما بعد اختبار قدرة السعودية على الاحتفاظ بالامر
الواقع من خلال احتواء البحرين في الكيان السعودي الأكبر والأقوى.
والجديد ان المخاوف من النيات السعودية تجاه البحرين بدأت تقلق دويلات
الخليج الاخرى. فانعكاسات الخوف السعودي من ثورة البحرين لا تقف عند حدود
السعودية ولا تقف عند حدود البحرين.