بقدر ما تركت حادثة عكار التي اودت
بحياة الشيخ احمد عبد الواحد ورفيقه استياءً وغضباً عارمين لدى الاهالي
وابناء المنطقة، بقدر ما جعلت المؤسسة العسكرية وقيادتها تتعامل مع هذه
الحادثة وتداعياتها بأقصى درجات المسؤولية والشفافية لكشف كافة تفاصيلها
وملابساتها احقاقاً للحق وصوناً للعدالة، وهذا ما يظهر جلياً من خلال
مسارعة القيادة الى تشكيل لجنة تحقيق من كبار ضباط الشرطة العسكرية، والتي
باشرت تحقيقاتها بعد ساعات قليلة على مقتل الشيخ عبد الواحد ورفيقه وما
تلاها من توقيف لثلاثة ضباط و19 عسكرياً.
وهذا ان دل على شيء فإنما
يدل برأي مصدر عسكري رفيع على ان الجيش حريص على حياة كل لبناني ولديه
الجرأة على الاعتراف بأي خطأ قد يحصل ومحاسبة المتورطين به في حال أثبتت
التحقيقات ذلك، لان لا احد فوق المساءلة ولان الجيش مؤسسة وطنية جامعة، فهو
لكل اللبنانيين وليس لفئة دون اخرى. ولا يمكن ان يدعم احداً او يوفر غطاء
لأحد، وانما دعمه الاول والاخير هو للدولة لحماية استقرار البلد.
ويقول
المصدر في خلال حديث لصحيفة "اللواء" ان عمل المؤسسة يحكي عنها، انطلاقاً
من الدور الوطني الذي تقوم به على طول مساحة البلد، مشيراً الى ان ما حدث
في الشمال عموماً دقيق وحساس، فهو بدأ سياسياً وكانت اهدافه سياسية بكل
وضوح وجرى توظيفه لغايات سياسية، ومشدداً على ان الجيش واجه صعوبة في
التعامل مع التطورات التي حصلت في الشمال. بالنظر الى الظروف الدقيقة التي
يمر بها البلد، واذا كان الجيش لا يتعاطى بالسياسة، فيجب في الوقت نفسه ان
تحميه بالسياسة.
وهنا تأتي مسؤولية السياسيين في التخفيف من حالة
الاحتقان والتشنج لجعل مهمة القوى العسكرية سهلة بعض الشيء لفرض الامن في
الشارع، لانه عندما تذهب الامور الى الشارع تصبح اكثر صعوبة وتعقيداً، وقد
يدفع الجيش الثمن نتيجة لعودة العنف والتقاتل، فبدلاً من حماية الحدود وهي
مهمة الجيش الاساسية، يتم اشغاله بأحداث داخلية ترهقه وتزيد من حجم الاعباء
الملقاة على عاتقه.
ويشدد المصدر العسكري على ان القيادة وجهت
تعليمات حازمة لعناصر الجيش في الشمال وطرابلس خاصة للتعامل مع ما جرى
بحكمة كبيرة لتجاوز هذا القطوع بأقل الخسائر الممكنة لتفادي حصول اي صدام
بين الجيش او اي فريق سياسي آخر، وقال ان قيادة الجيش بذلت جهوداً كبيرة مع
طرفي مهرجاني حلبا الاحد الفائت، لكنها لم تنجح في ثنيهما عن موقفيهما،
لانها لا تريد ولا بأي شكل ان تحصل اي امور سلبية، تعيد اجواء 7 أيار او
غيرها. ولكن للأسف حصل ما حصل وهذا ما لم يكن الجيش يريد حصوله بأي شكل من
الاشكال، والآن تجري التحقيقات بكل شفافية ومسؤولية لوضع الامور في نصابها،
واعطاء كل ذي حق حقه. فنحن مصرون على حماية شعبنا ومواطنينا ولا نريد ان
يقتل احد على حواجزنا لاننا نريد ان نحمي الجيش، ولا احد من العسكريين يهدف
الى قتل احد، لان واجب الجيش حماية شعبه وبلده. ولان الحادثة كبيرة كما
يقول المصدر العسكري فإن السرية في التحقيقات مطلوبة ولا يجب اطلاق
الاتهامات جزافاً لعدم التأثير على سير هذه التحقيقات، بصرف النظر عن كل
الروايات التي ظهرت في الاعلام بعد الحادثة.
واذ اعترف المصدر بأن
توقيف الضباط والعسكريين يؤثر على معنويات الجيش وجنوده، فان القيادة في
الوقت نفسه لا تريد أن تحمي أحداً، فالمذنب يجب أن ينال عقابه تطبيقاً
لمبدأ المساءلة والمحاسبة في المؤسسة إذا أثبتت التحقيقات ذلك، لأن ما
يهمنا هو المحافظة على سمعة المؤسسة العسكرية وعلى استقرار البلد ونحن نعمل
على هذا الأساس، لأن اللبنانيين ضنينون بالجيش وجنوده الذين هم من كل
الطوائف ولكل البلد، ما يجعل المؤسسة العسكرية ترفض اي نوع من انواع الامن
بالتراضي، بل ترى مصلحة كبيرة في تأمين الحماية لكل اللبنانيين.
ويؤكد
المصدر العسكري الرفيع أن الجيش لا يغطي قتل النّاس، والمسؤولية علينا
كبيرة ويجب الا نخطئ، ولا نقبل أن نكون ظالمين، وإن كان واجبنا حماية جيشنا
وهذا ما يُؤكّد أن دورنا توحيد البلد، وإذا كان لبنان موحداً فالمؤسسة
العسكرية قوية، ما يفرض أن نعمل للبنان، فدورها وتربيتها ومعنوياتها
لبنانية بامتياز، والجيش يجب النظر إليه على انه وسيلة للحل ولا يمكن زجه
بالصراعات السياسية.
ويرى المصدر أن تأمين الغطاء السياسي الرسمي
وخاصة من قبل رئيسي الجمهورية والحكومة يُشكّل مصدر قوة للجيش وللاجراءات
التي يقوم بها، في مقابل تخفيف السياسيين من حدة مواقفهم لعدم أخذ البلد
الى أتون الصراعات والخلافات الطائفية والمذهبية. ويشير إلى أن المطلوب أن
تتضافر كل الجهود لإزالة الأوضاع الشاذة التي لا تساعد مطلقاً على تهدئة
الأمور، خاصة وأن بقايا الحرب الأهلية ما زالت موجودة عند البعض الذين
يريدون الهيمنة ولو على حساب مصالح النّاس الأبرياء. ويشدد المصدر على
ضرورة معالجة التداعيات التي أعقبت حادثة عكار بذكاء وحكمة بعد الشرخ
والتجييش اللذين حصلا، ولا بدّ من تهدئة الأوضاع ووصل ما انقطع، وسد
الثغرات لأن ما يحصل خطير، فاللعبة بدأت بشيء وانتهت بشيء آخر، محذراً من
ان تدمير بنية الدولة هو الأمر الخطر وليس السلاح، وهناك للأسف من يريد أن
يأخذ محل الدولة وأجهزتها، فالفساد يشكل اكبر خطر على الدولة.
وقال
أن الكلام السياسي الذي يطلقه البعض هو لارضاء العواطف الشعبية ولغايات
انتخابية ولارضاء هذا الزعيم أو ذاك، مبدياً اسفه لتطاول بعض السياسيين على
قيادة الجيش ورأس الهرم فيها، لأن ذلك مُعيب ويسيء الى معنويات الجيش،
ومشدداً على أن أبناء عكار يريدون الجيش ولا يوافقون على الاساءات التي
توجه إليه. وإذ أكّد المصدر العسكري أن الجيش لم يلق القبض على مسلحين
ينتمون إلى المعارضة السورية داخل الأراضي اللبنانية، فانه لفت إلى أن ما
يجري بين لبنان وسورية هو تجارة أسلحة وليس تهريباً.
وقال انه ليس
هناك من تواجد لتنظيم القاعدة في لبنان، وإنما قد يكون هناك أفراد متعاطفون
مع هذا التنظيم الذي يمكن القول انه انتهى مع مقتل زعيمه اسامة بن لادن،
بالرغم من أن الحرب لا تزال قائمة ضد الإرهاب.
وأكّد المصدر أن
للاعلام دوراً رئيسياً في تهدئة الأمور وعدم إثارة الغرائز ونقل الحقيقة
كما هي، وأحياناً كثيرة تتقدّم المسؤولية الوطنية للاعلام على السبق
الصحفي، عندما تكون مصلحة البلد أولوية، اذ لا يجوز أن يلعب بعض وسائل
الإعلام دوراً سلبياً في تجييش الأجواء وزيادة منسوب الاحتقان من خلال نشر
اخبار غير صحيحة تُسيء إلى الاستقرار الوطني.