كيف ينفذ الجيش مهماته الحدودية.. في ظل التقشف المالي؟
كل من تسنى له في هذه الأيام أن يمر من أمام
«بوابة فاطمة» الحدودية، شاهد بأم العين، كيف تحولت بقعة تمتد لنحو مئة متر
في الجهة الشرقية لبلدة كفركلا، الى ساحة حرب بكل معنى الكلمة. انتشار
للمئات من جنود «القبعات الزرق»، على الطرق وفي الحقول التي تحولت الى
مخيمات عسكرية لقوات «اليونيفيل» مع بنى تحتية كاملة وعشرات الآليات
والدبابات وناقلات الجند. ومن حولهم، انتشر جنود لبنانيون، وأقام آخرون
حواجز، بينما كانت الفرق الفنية التابعة للجيش تقوم بالتدقيق في بعض النقاط
التي يشتبه أن الإسرائيليين حاولوا فيها تجاوز «الخط الأزرق» ولو
بسنتيمترات قليلة.
الجنود الإسرائيليون في المقلب الآخر من الحدود يصولون ويجولون وعلامات
التوتر بادية في حركتهم ومناظيرهم وبندقياتهم والإجراءات الاحترازية
المتخذة من حول الورشة العسكرية ـ المدنية التي اختلطت بهدير الجرافات
والشاحنات والغبار الأحمر المنبعث من الأرض.
كانت تعليمات قيادة الجيش اللبناني واضحة للضباط والعسكريين في منطقة
«بوابة فاطمة» بأنه ممنوع التفريط ولو بحبة تراب واحدة. وبدل أن يتلقى
هؤلاء العسكريون ولو إشادة معنوية بمناقبيتهم وتفانيهم، بدا المشهد متناقضا
بين الحدود والعاصمة.
قرب الحدود، كان الجيش اللبناني يخوض معركة أمنية وتقنية وسياسية وسيادية
صامتة وصعبة مع العدو الإسرائيلي، ويرغمه خلالها على تصحيح مسار الجدار
الفاصل عند الحدود مع بلدة كفركلا. وفي المقابل، يتعرض الجيش في العاصمة
لنيران سياسية، في ظل مفارقة لافتة للانتباه، أن معظم الانتقادات تأتي من
سياسيين لطالما تشدقوا بوجوب تطبيق لبنان القرارات الدولية لا سيما القرار
170.
وعلمت «السفير» ان الجيش تمكن، امس، من خلال المفاوضات عبر قيادة قوة
«اليونيفيل»، من إجبار إسرائيل على الموافقة على تصحيح مسار الجدار الفاصل
في كفركلا، وبقيت مسافة عشرين سنتيمترا، رفض لبنان بناء الجدار عليها، ما
سيضطر اسرائيل الى إعادة السياج الشائك عند الخط التقني في هذه البقعة، بدل
إقامة الجدار.
وبدل أن يكافأ الجيش، كان الواقع المالي المأزوم للحكومة يرتد سلبا على
المؤسسات العسكرية والأمنية، وتردد أن العديد من آليات الجيش الخفيفة
والثقيلة العاملة في المناطق الحدودية الجنوبية، توقفت عن العمل إما بسبب
النقص في المحروقات أو بسبب عدم توافر أموال للصيانة وشراء قطع الغيار
وأعمال اخرى، غير متوافرة بسبب تأخر وزارة المالية في صرف سلفة الخزينة
الضرورية لمثل هذه الاعمال، عدا نقص الطعام والعلاج وبعض الضرورات
اللوجستية البسيطة التي تحتاجها القوى العسكرية العاملة عند الحدود، ما
يضطر قادة الوحدات الى استنباط وسائل ذاتية لتمويل بعض الاعمال، ومنها جمع
أموال من العسكريين أو من الصناديق العسكرية.
وتفيد المعلومات بأن قوات الامم المتحدة هي بصدد البحث مع الجيش في إمكان
تخفيف دورياتها في الجنوب (في ضوء المراجعة الاستراتيجية الأخيرة)، مقابل
زيادة دوريات ومهمات وحدات الجيش اللبناني، بناء لاتفاق مسبق تم بين
الجانبين يقضي بتعزيز دور الجيش اللبناني في تنفيذ القرار 1701، بحيث ان
قوات «اليونيفيل» تقوم حاليا بنحو مئة دورية يوميا، بينما يقوم الجيش
اللبناني بعشرين دورية تقريبا، والمطلوب هو زيادة مهمات الجيش.
ويفترض أن تتم هذه الاجراءات بعد صدور «ضوء أخضر» من نيويورك بالنسبة لقوات
«اليونيفيل»، وبعد توفير زيادة واضحة لإمكانات الجيش، وهو أمر لا يبدو
متوافرا حاليا، نظرا لغياب القرار السياسي القاضي بتعزيز قدرات الجيش، على
الاقل من أجل استكمال مهمات ضبط الحدود.
وينطبق الأمر ذاته على وحدات الجيش في المناطق الحدودية في البقاع والشمال،
بحيث تقلصت ولو بنسبة قليلة دوريات الجيش ومهماته، نتيجة النقص الحاصل في
المحروقات والعتاد، ومع ذلك لا ينفك السياسيون يطالبون الجيش بالتشدد في
ضبط الحدود من دون توفير المقومات الضرورية لهذه المهمات الصعبة، من دون
إغفال دور الدول المانحة في مجال دعم الجيش وباقي المؤسسات الأمنية.