تحذير من الضاحية لجنبلاط عبر أنتين الرابية
"الجمهورية":
إذا كان صحيحاً أنّ العماد عون قد فتح معركته الانتخابيّة باكراً عبر
تصويب الهجوم على وليد جنبلاط، فإنّ ما قام به لا يقتصر على مجرّد استدراج
اشتباك.
فمن الواضح أنه يطمح أن يستثمر هذا الإشتباك مسيحيّاً من خلال اللعب على
وتر الأجراس التي ما زال الخطاب العوني يتعاطى معها بخفّة، إلى درجة أنّه
يتجاهل المشهد الساخر الذي بدا فيه عون في المختارة إلى جانب جنبلاط معلناً
أنّه لم يجد الأجراس الضائعة، وهو ما دلّ على أنّه لا وجود لأسطورة
الأجراس إلّا في خيال من ابتكر هذه القصّة التي تنتمي إلى زمن الحرب.
فالعماد عون لم يهاجم جنبلاط من فراغ، وقد يصحّ وصف تحريكه عن بعد ضدّ
الأخير بـ (Missed Call) تنبيهيّ أُرسل على عجل من الضاحية إلى المختارة
عبر أنتين الرابية، والهدف كما يبدو لا يرتبط فقط بتأكّد "حزب الله" من
حقيقة أنّ جنبلاط أصبح نصفه خارج الحكومة، وبالتأكيد خارج أيّ تحالف
انتخابيّ في العام 2013، بل برسالة إلى جنبلاط تحذّره من مغبّة السير بنصفه
الآخر خارج الأكثريّة.
فمشهد جنبلاط مستقبلاً فيلتمان في كليمنصو، لم يرق لـ"حزب الله"، والأهم
أنّه لم يستساغ لدى الإيرانيين الذين أرسلوا نائب الرئيس كي يستعرض في
بيروت خلو المسرح اللبناني لهم، كأقوى لاعب إقليميّ في المنطقة.
وهذا المشهد الذي باغته حضور أميركيّ أعدّ على عجل لهدف احتواء استعراض
القوة الإيراني، لكنّه اصطدم بصورة لبنانيّة مشوّشة لا تنبئ بأنّ إيران
باتت قادرة على الجلوس إلى طاولة التفاوض مع الأميركيّين، وفي جعبتها ورقة
لبنان القادرة على تحريكها كيفما تشاء.
في تفاصيل الصورة المشوّشة ما يوحي بأنّ الحكومة الهزيلة التي رعى "حزب
الله" تركيبها أصبحت غير قادرة على الدفاع عن نفسها، ففي هذه الحكومة رئيس
ينأى بنفسه عن الانصياع لأجندة"حزب الله" في الكثير من الملفّات الأساسيّة
كقانون الانتخاب والتعيينات، وفيها مكوّن وازن يمثّله جنبلاط يلاعب خصومه
بأسلوب زئبقيّ متدثّر بالوسطيّة، ومتأهب للانتقال إلى قوى "14 آذار" فور
وضوح المشهد السوريّ، كما أنّه على رأس هذه الحكومة رئيس جمهوريّة بات
يتصرّف على أنّ التفاهم غير الضمنيّ الذي يربطه بكلّ من جنبلاط وميقاتي، هو
المنفذ الوحيد من ورطة الوصول إلى نهاية الولاية الرئاسيّة، وقد أجبر على
تسليم البلد إلى "حزب الله" وإلى حليفه عون، الذي يكنّ له الرئيس كلّ موّدة
وتقدير نظراً لما أبداه من "دعم غير محدّد لموقع الرئاسة الأولى".
الواضح أن كلاً من سليمان، ميقاتي وجنبلاط بات أمام ما يمكن وصفه بساعة
الحقيقة، على اعتبار أنّهم وصلوا في ترتيب المواجهة من داخل مجلس الوزراء
مع "حزب الله" إلى الحدّ الذي تتهدّد فيه الصيغة الصورية لتماسك هذه
الحكومة ولإمكان استمرارها حتى الانتخابات المقبلة.
وإذا كان سليمان وميقاتي يواجهان بصمت، فإنّ جنبلاط قد أصابه الإحراج
جراء هجوم عون - الحزباللهي، فهو كان يفضل أن لا يكشف أوراقه على الأقل
بانتظار الأشهر المقبلة، وقد أتى الاشتباك مع عون ليضيف إلى متاعب جنبلاط،
جراء عدم قدرته على مماشاة المملكة العربية السعوديّة ذهاباً نحو المصلحة
الكاملة، متاعب جديدة من الجهة المقابلة بسبب إصرار "حزب الله" على إلزام
جنبلاط تحديد موقعه من التحالف مع الحزب، ومن الاستمرار داخل الحكومة حتى
الانتخابات المقبلة.
وهذا الإلزام لا يصبّ فقط في التخوّف من تموضع جديد لجنبلاط قد يذهب به
إلى حدّ الذهاب إلى "14 آذار"، بل يتّصل بتمسّك إيرانيّ بالإبقاء على هذه
الحكومة متماسكة ولو بالشكل، لأن بقاء الحكومة الحالية يمثل حاجة لإيران،
في طريقها إلى طاولة التفاوض مع أميركا في بغداد، ولاستمرار هذه الحاجة لا
بدّ من شدشدة أوصال هذه الحكومة تارةً عبر الترغيب، وطوراً عبر الترهيب،
ويصبح لذلك ضرورياً أن يستعمل "حزب الله" ميشال عون كي يصرخ على جنبلاط،
وكي يهدّد رئيس الجمهورية بلا دستورية انتخابه.