نيكولا ساركوزي وكارلا بروني بعد سنوات الرئاسة…. إلى أين؟
لا شك في أن الخامس عشر من الشهر الحالي سيحفر
خندقًا عميقًا لنفسه في ذاكرة نيكولا ساركوزي. فهو اليوم الذي تنتهي فيه
رسميًا فترة رئاسته فرنسا ويسلم – خلال الاحتفال التقليدي لنقل السلطة –
مفاتيح قصر الإليزيه لغريمه الاشتراكي فرانسوا هولاند.
وكان ساركوزي قد قال – بعد إحساسه بحتمية النهاية التي بشرته بها استطلاعات
الرأي – إنه سيهجر السياسة مرة وإلى الأبد في حال خسارته، بل أن هذا
المحافظ الذي تبنى في تشبثه بالسلطة آراء اليمين المتطرف خلال أيامه
الأخيرة، أعرب عن أمنيته في أن يعيش حياة هادئة مع زوجته الموديل السابقة
والمغنية كارلا بروني وطفلتهما جوليا.
وتناقلت عنه الصحافة الفرنسية والغربية قوله: «أتمنى أن يتركني الناس
لحالي. كل ما أريده الآن هو أن أهنأ مع أسرتي بالحياة العادية مثل بقية
الناس. ومع أنني خسرت الانتخابات فإن الإعلاميين لا يتركون لي مجالاً
للتنفس. لا استطيع حتى أن أهنأ بوجبة غداء مع عائلتي. دعوني لحالي رجاء»!
ولا غرو أن شعور ساركوزي بالمرارة يكاد يصبح ملموسًا باليد. فهذا رجل تعوّد
على الأماني المستجابة، سواء على صعيد طموحاته السياسية أو الشخصية. ومع
ذلك فقد صار الآن أول رئيس فرنسي يلفظه الشعب بعد ولاية واحدة على مدى
السنوات الواحدة والثلاثين الماضية. وأتى هذا بعد استطلاعات للرأي أوضحت
بجلاء أنه الأقل شعبية بين سائر الرؤساء في تاريخ البلاد.
وربما كان هذا يعود جزئيًا على الأقل الى أن هذا الرجل تمتع بحياة لم يشهد
لها الإليزيه مثيلاً مذكورًا، وهذا على الرغم من أن الأزمة الاقتصادية ظلت
تطحن الجميع بشكل لم يشهد له مثيل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد
اتضح أنه يعيش في قصره ذاك «مثل أحد شيوخ النفط»، على حد تعبير أحد
المراقبين.
وجاء هذا التعليق بعد صدور كتاب ورد فيه أنه كان ينفق 12 ألف يورو على
الطعام يومياً (200 يورو لكل قنينة من نبيذه الأحمر المفضل «كروز –
إيرميتاج» مع أطباق اللحم والسمك النيء على طريقة «كارباتشو» الإيطالية).
وكان يضع 121 سيارة تحت تصرفه (ضعف المخصصة لسلفه جاك شيراك)، لأن ميزانية
الإليزيه التي اقتطعها له تفوق تلك المخصصة لقصر باكينغهام نفسه.
وأضف الى هذا أن ساركوزي خصص لنفسه طائرة «بوينغ 330» (كُنّيت «اير ساركو
1») اشتريت له، وفقًا لمواصفاته ومتطلباته، بمبلغ 260 مليون يورو. وكان
أخطر ما خلص اليه الكتاب هو أنه «تجاهل أبسط مبادئ الفصل بين المال العام
والخاص، وهذا رغم وعد قدمه سابقًا بكبح جماح الإنفاق العام والتزام جانب
الشفافية الكاملة في ظل الحكم الرشيد».
وأمسية الثلاثاء استدعى ساركوزي قادة حملته الانتخابية الى قصر الإليزيه
وأكد لهم عزمه على التواري نهائيًا عن الساحة السياسية. وفي اجتماعه معهم
على مدى ساعة، قال إنه لن يخوض الانتخابات التشريعية في حزيران (يونيو)
المقبل لأجل الحصول على مقعد له في الجمعية الوطنية عن حزبه «الاتحاد من
أجل حركة شعبية».
ووفقًا للصحافة الفرنسية فقد قال أيضًا: «لقد طويت صفحة مهمة في حياتي
السياسية. من المؤكد أنني سأحتفظ ببطاقة عضويتي في الحزب وسأدفع اشتراكاتي
غير منتقصة. لكنني أقول وداعًا للعمل على خط الجبهة».
وحاول الرئيس المغادر التخفيف من وقع المصيبة على يمين الوسط فقال لأعوانه:
«لم تكن هزيمتنا مهينة كما يدعي المعلقون. ولسنا الحزب الوحيد الذي يفقد
السلطة (في منطقة اليورو). انظروا من حولكم وستجدون العديد من الأمثلة.
والآن عليكم التجمع تحت راية واحدة لأن التفرق هو السبيل المضمون الى
القاع».
أما البديل أمام ساركوزي (57 عامًا) فهو علف لماكينة التكهنات كما هو
متوقع. فهناك من يقول إن أمواله وأموال زوجته المغنية (وهي وريثة مليونير
وغارقة في النعمة منذ نعومة أظفارها) تكفي لأن يتقاعد الاثنان على جناح
الرفاهية ومن دون أدنى قلق على لقمة العيش الرخيّة.
ويعرف أن ساركوزي – الذي يقول إنه لا يطيق صبرًا على تسليم السلطة يوم
الثلاثاء المقبل – سيتمتع أولاً بإجازة طويلة مع زوجته وطفلته الجديدة في
فيلتهما الفاخرة في جنوب فرنسا. ونقلت صحف عما قالت إنهم مقربون منه قولهم
إنه سيعود الى المحاماة عبر المكتب الباريسي المتخصص في قانون العقار، حيث
كان يعمل قبل ولوجه الساحة السياسية. ونقلت صحيفة «لو باريزيان» عن صديقه
ومستشاره السياسي فرانك لوفريير قوله: «ساركوزي محامٍ، وسيعود الى مهنته
الأصلية».
وفي الوقت نفسه قال صديق آخر: «إنه حريص على التمتع بحياة عادية كبقية
الناس. سنوات السلطة لم تكن سهلة بأي حال من الأحوال. وإحدى شكاواه في تلك
الحقبة الطويلة إنه كان عاجزًا عن التمتع بوجبة عشاء مع افراد اسرته في
مطعم من اختيارهم. ربما نال هذا المراد البسيط الآن».