لماذا قُدم موعد الانتخابات في اسرائيل؟
من الناحية التاريخية، ليست هناك اي مفاجأة في
تقديم موعد الانتخابات البرلمانية في اسرائيل، حيث تجرى كل ثلاث سنوات
تقريبا ومتوسط عمر الحكومات لديهم هو عامان فقط. بعد مرور ستة عقود ونصف
تقريبا على اجراء اول انتخابات في اسرائيل، الكنيست القادمة التي سيتم
انتخاباها هي رقم تسعة عشر والحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها بعد هذه
الانتخابات هي الحكومة الثالثه والثلاثين.
ليس هناك مفاجأة من هذه الناحية، خاصة عندما تتقدم احزاب المعارضة
بتقديم طلب لحل الكنيست وتقديم موعد الانتخابات بغض النظر عن الحجج
والذرائع. المفاجأة ان حزب الليكود الحاكم وعلى الرغم من تمتعه باغلبية
كبيرة في الكنيست هو الذي تقدم بطلب استباقي لتقديم موعد الانتخابات التي
من المرجح ان يتم اجراؤها في شهر ايلول/ سبتمبر القادم.
ليست هناك اجابة واضحة او سبب مباشر يعطي تفسيرا واضحا لماذا اقدم
نتنياهو على هذه الخطوة. حتى الان هو غير مضطر لفعل ذلك، خاصة في ظل تمتعه
بشعبية عالية في اوساط الاسرائيليين وفي ظل غياب اي مرشح يمكن ان يهدد
مكانته كرئيس وزراء للمرة الثالثة. الاستطلاعات تعطيه وتعطي حزبه فوزا
مريحا في اي انتخابات قادمة. شركاؤه في الحكومة، وعلى الرغم من تهديداتهم
بين الحين والاخر، خاصه حزبي اسرائيل بيتنا وشاس غير معنيين بتقديم موعد
الانتخابات والدخول في هذه المجازفة التي قد تكلفهم بعض المقاعد.
هناك اكثر من تفسير للدوافع التي جعلت نتنياهو الاقدام على هذه الخطوة، اهمها:
اولا: الانتخابات الامريكية.
هناك من يعتقد ان قرار نتنياهو بتقديم موعد الانتخابات في اسرائيل مرتبط
بالانتخابات الامريكية. نتنياهو يفضل ان تجرى الانتخابات في اسرائيل قبل
الانتخابات الامريكية وليس بعدها. طالما تعطيه الاستطلاعات فوزا اكيدا وبلا
منافسة حقيقية من احد، من الافضل له ان يستقبل الرئيس الامريكي المنتخب
سواء كان اوباما او المرشح الجمهوري وهو متحرر من ضغط الانتخابات
الاسرائيلية او ضغط الاحزاب المشاركه معه، او حتى اعضاء حزبه الذين هم اكثر
تطرفا منه.
ثانيا: الحراك الاجتماعي المرتقب .
هناك توقعات ان تعود خيام الاعتصام والاحتجاجات الاجتماعية مع بداية
الصيف. هذا الامر سيتم استغلاله من قبل احزاب المعارضه الثلاثه، العمل
بقيادة شيلي يحيموفتش وكاديما بزعامة موفاز والحزب الجديد الذي شكله يئير
لفيد واسماه ‘هناك مستقبل’ الذي سيكون الموضوع الاجتماعي على سلم اولوياته
حيث تعطيه الاستطلاعات ما يزيد عن العشرة مقاعد. تقديم موعد الانتخابات
سيقضي على هذا الحراك الاجتماعي حيث التركيز سيكون على الانتخابات
ونتائجها.
ثالثا: التحديات داخل الحكومة.
على الرغم من استناد حكومة نتنياهو الحالية على اغلبية برلمانية مريحة،
الا ان هناك الكثير من التناقضات الرئيسية بين الشركاء، خاصة في قضايا
تتعلق في الدين والدولة، بالتحديد بين حزبي شاس واسرائيل بيتنا. اهم
القضايا الخلافية والتي تعاني منها اسرائيل منذ تأسيسها هي قضية خدمة
المتدينين في الجيش. ليبرمان الذي يدفع باتجاه تغيير الوضع القائم الذي
يعفي المتدينين الذين يتعلمون التوراة الخدمة في جيش يصطدم بموقف الاحزاب
الدينية المتشددة التي ترفض اي تغيير لهذا الوضع. اضافة الى قضايا اخرى
تتعلق بالبؤر الاستيطانية والتي اصدرت المحكمة الاسرائيلية العليا قرارات
بشأنها. نتنياهو الذي يشعر انه ليس فقط لن تتراجع قوته في حال اجراء
الانتخابات، بل من المحتمل ان تزيد، اراد ان يقول ان التلويح بهذا الخيار
لا يخيفني.
رابعا: الحاجة الى نوع من المرونة السياسية.
نتنياهو وعلى الرغم من عدم استعداده لتقديم اي شيئ جدي للفلسطينيين،
ولكنه في نفس الوقت يميل الى شيئ من البراغماتية، حيث انه يدرك ان عليه ان
يحتفظ بنوع من المرونة الكاذبة والدبلوماسية المخادعة التي تستدعي تقديم
بعض التنازلات الشكليه. الشركاء من خارج الحزب لا يساعدونه في ذلك،
والمشكله اكثر تعقيدا في داخل حزب الليكود، حيث يجلس له الوزير يعلون على
يمينه وسيلفن شالوم على يساره اضافة الى المستوطن موشي فيقلن ومن معه في
مركز الحزب. نتنياهو يدرك ان الوضع السياسي الحالي لن يدوم طويلا، وبالتالي
عليه ان يحاول اجراء بعض التغييرات التي تخفف من حدة المعارضة له اذا ما
اراد ان يقدم على بعض الخطوات الشكلية.
خامسا واخيرا: هجوم الجنرالات على نتنياهو.
ليس من السهل ان يتمتع رئيس وزراء في اسرائيل بشعبية عندما يهاجمه
العديد من رؤساء المؤسسه الامنيه السابقين في اسرائيل والتي كان آخرها
الهجوم الشديد الذي شنه رئيس الشاباك السابق يوفال ديسكن، ليلتحق بما قاله
رئيس جهاز الموساد السابق مئير داغان وغابي اشكنازي وغيرهما من الجنرالات.
القاسم المشترك بينهم جميعا، وان كانت الدوافع مختلفة، هو ان نتنياهو غير
مؤتمن وغير قادر على قيادة اسرائيل، خاصة في الموضوع الايراني.
لكن الاهم من الموضوع الايراني، هو ما قاله ديسكن في الموضوع الاسرائيلي
الفلسطيني والذي اصاب الدعاية الاسرائيلية في مقتل، عندما قال ان نتنياهو
هو المسؤول عن تعثر العملية السياسية وليس الرئيس عباس.
نتنياهو بعد هذا الهجوم المتكرر من قبل هذه القيادات التي تحظى باحترام
وثقة كبيرين في اوساط المجتمع الاسرائيلي بحاجة الى تجديد الثقة به من قبل
الشارع الاسرائيلي لكي يقول لهؤلاء ان الشعب يثق بي وان عدم ثقتكم لا تعني
شيئا.
على اية حال، ولان عنصر الوقت يحسب بالثواني والدقائق والساعات، ولا
يحسب بالشهور والسنين، فان نتنياهو يحرص على استثمار كل دقيقة من الاشهر
الاربعة القادمة لتثبيت المزيد من الحقائق على الارض التي ستقضي بشكل نهائي
على امكانية اقامة دولة فلسطينية على حدود 67 حيث هناك جشع غير مسبوق
لالتهام المزيد من الارض الفلسطينية في ظل عجز كامل واستسلام غير مسبوق لما
تفعله اكثر حكومة يمينية متطرفة في التاريخ الاسرائيلي.
والسؤال الذي يوجع القلب، هو ما الذي يجب على الفلسطينيين فعله خلال هذه
الفترة الزمنية، عدا عن كيل الاتهامات لبعضهم البعض، وعدا عن التنكيل في
بعضهم البعض؟