عد الشعر من أهم نواحي
الجمال الأنثوي ، ويكتسي مكانة عالية لدى المرأة الأمازيغية بإعتباره
رأسمال جمالها ، ولقد سجل الأمازيغ عبر التاريخ الاهتمام اللائق الذي حضي
به الشعر فتبرز الرسومات الجدارية القديمة للإنسان الأمازيغي
مدى
الأعتناء الذي يوليه هذا الأخير لشعره ، بتصفيفه بوسائل ومواد نباتية و
جمالية مختلفة . و من الإشارات الواردة في هذا الباب ما ذكره سطرابون و
هيرودوت و ديودور الصقلي ، و بلينوس الشيخ ، و صاحب رحلة سكيلاس ، هذا
الأخير يؤكد على العناية الخاصة بالشعر و اللحية قائلا . "بيد أنهم (المور)
ـ الأمازيغ ـ يميلون إلى البحث عن أسلوب في العيش ، وذلك بتظفير الشعر و
اللحية ...ومن الناذر أن تراهم يتعانقون خلال نزههم صيانة للتصفيف الجميل
لشعرهم"(1).
...ففي عهد الأكليد يوبا الأول ،مثلا ، سكت عملة تحمل في و
جهها رأس الأكليد بنفس الأسلوب المتعلق بالشعر الكثيف و اللحية المنظمة
...وعليه يبدو أن هذا الاهتمام بالشعر و اللحية يعتبر من السمات الأساسية
للمور الأمازيغ و التي ظلت تقليدا معمولا به بين الأمازيغ الى القرن
العشرين (2).
وعملت النساء الأمازيغيات بعيدا عن أضواء المحلات
المتخصصة في فن الحلاقة و التصفيف على الإعتناء بشعرهن حتى برزت وعبر
العصور تصفيفات وتسريحات عديدة أصبحت تميز نساء كل قبيلة على حدة.
و في
مجال الزينة و التنظيف ، كانت النساء يحمين شعرهن بوقايته من التأثيرات
الجوية كحرارة الشمس والرطوبة ، وحمايته من الأوساخ و الطفيليات . وتخضيبه
بإستمرار بالحناء لإخفاء ماقد يبرزه من الشيب ، واستعمال مستحضرات أعشاب و
مواد طبية طبيعية لتقويته ونموه ، وذلك خوفا من سقوطه وإصابتهن بمرض الصلع
،الذي يهدد مملكة الجمال الأنثوي و التي يظل الشعر تاجها الطبيعي ، وتختزن
طقوس حكي الأحاجي بالريف علاقة بتساقط الشعر بحيث يمنع على النساء
الأمازيغيات و لإعتقادات متوارثة عن قص الأحاجي و الأساطير الريفية
لأبنائهن نهارا و ذلك خوفا و تجنبا لأفتقادهن لشعرهن الذي يمكن أن يسبب
الحكي في واضحة النهار إلى نتائج تساقطه . و المتمعن في هذا العرف
الإعتقادي سيلمس بوضوح هذا الإختزان المتوارث و القديم قدم الأساطير ذاتها
للمكانة الجمالية التي كان يتمتع بها هذا العضو من الجسم .
و إلى جانب
هذا الأهتمام اللائق بالشعر كان من العادة أن تتباها النساء الأمازيغيات
فيما بينهن في المناسبات بطول وكثافة ولون شعرهن ، وهذا ما ولد لديهن ملكة
إبداعية في التغني به و بجمالياته .
ولقد تمكن الإزري أن يعبر بدوره عن
هذا الحرص الذي يوليه الريفي لشعره إلى جانب أشياء جسدية أخرى كالعيون
مثلا و التي تغنى بها الشاعر الأمازيغي في أكثر من مناسبة .
بين أيدينا
بيتا شعريا رائعا ، تربط من خلاله الشاعرة ما بين حالتها النفسية التي
تعيشها وعلاقتها الحسية بسقوط خصلات شعرها ، إذ أن الشعر أصبح في هذا البيت
الشعري كائنا حيا ذو إحساس بما يعتري الشاعرة من حزن أو أي شعور داخلي آخر
وهذا ما جعله يتساقط متأثرا بصاحبة القلب المتأثر،والبيت الشعري يقول :
أيا شواف إنو ، ياركب خ وور إنو
مارمي ما مشضخث يوسوس ماسكين إنو .
ـ ترجمة البيت الشعري :
يا شعري العارف بمكنونات قلبي
كلما مشطته أحسست به يذوب أمامي حزنا .
تحكي
الأسطورة الأمازيغية بالريف ،أن أميرا يافعا خرج ذات صباح في نزهة صيد
عادية فلمح عند عين ماء خصلة شعر طويلة على غير عادتها معلقة إلى غصن شجرة ،
لم يرى مثلها في حياته و أقسم على أن لايتزوج إلا صاحبة هذا الشعر الذي
وقعت منه هذه الخصلة ، وبعد جهد من البحث المضني ومغامرات مؤثثة لعناصر
الحكي و التشويق في نفس الأسطورة ،يـكتشف أن الفتاة صاحبة الخصلة لم تكن
سوى " نونجا" وهي من صلب والديه ، شاءت الأقدار أن تفصل بينهما في مرحلة
متقدمة من حياتهما، إلا أن آصرة الأخوة لم تمنع الأمير من الإلحاح بالزواج
من نونجا التي رفضت طلبه هذا.
يدل الميث في هذه الحكاية على المكانة
المرموقة التي تحضى بها المرأة ذات الشعر الطويل ، فالأمير الشاب رغب في
إرتكاب المحضور بزواج أخته التي أعجب بطول شعرها ، إن رغبته في البحث عن
نونجا لم تكن في الأصل إعجابا منه بجمالها الأخلاقي و الخلقي الذي لم تكن
له أدنى فكرة مسبقة عنهما ، ولكنه عشق لجزء واحد من هذا الجسد و هو الشعر .
فالشعر في الأسطورة يلغي كل الأوصاف التي قد تتميز بها نونجا من خصال قد
تكون حميدة أو ذميمة .
بهذه الشحنة الميثية إزداد اهتمام الأمازيغ بالشعر، وهذا ما جعل الشاعر الأمازيغي يخاطب محبوبته قائلا :
موشواف أزيرار ، إسغوان ن وانو
أخام أذفغ رحبس ، عاماين كيوالو.
ترجمة البيت الشعري :
ياصاحبة الشعر الطويل ، طول حبال الأبار
حريتي أهون عليا ، من اجلك أنت
الشاعر
في هذا الإيـزري يبدو منبهرا ومندهشا بطول شعـر حبيبته الذي شبهه بطول
الحبال المستخدمة لجلب المياه من قعـر الأبار العميقة ، وهو تشبيه في حد
ذاته مشبع بميث سالف ن نونجا،إذ أن قيمة هذه الأسطورة ضمن هذا المخيال
تتجلى في توظيفاتها ،بحيث أن نفس الأسطورة القديمة .. يمكن أن تتخذ محتويات
جديدة حسب التحولات التي تطرأ على حياة ذلك المجتمع (3) ، وبهذا أصبح
الشعر الطويل يعيش في اللاشعور عند الشباب الأمازيغي ،وهذا ما جعل الشاعر
يعجب بطوله ، ورغبته في الوصال بها مهما كلفه الأمر حتى ولو كانت النتيجة
سلبا لحريته ، إنها رغبة الأمير الشاب في هدم أواصر الأخوة التي تربطه
بنونجا ، هـذه الأخيرة التي فرت الى السماء لتعلن عبر خطابات متتالية رفضها
القاطع لطلب أخيها.
إن الفتاة المقبلة على الزواج في الريف ترى في شعرها عنصرا هاما للحصول على الرضى من الطرف الآخر . نسمعها تحترق ألما وحسرة على لسان قول الشاعر المجهول :
ؤمي وإرغام أشواف ، لعزيز مايمي ثتروذ
لعيون إبارشانن ، ذايسن إغا ثعذوذ .
ـ ترجمة البيت الشعري :
لماذا تذرفين الدمع ، على قصر شعرك
تكفي عيونك المفحمتين جوازا للزواج
يواسي
الشاعر بطريقته الخاصة هذه الفتاة اليائسة المنطوية على نفسها ، والتي
أصبحت لا تملك إلا العبرات لتعبر بهما عن إحباطها و تشاؤمها المفرط بسبب
قصر شعرها ، فلم يملك الشاعر إلا أن يخفف من وطأة هذا الحزن والرفع من
معنوياتها المنهارة مشيرا إلى أن الشعر الطويل لا أهمية له في الوقت الذي
تملك فيه عيونا جميلتين مفحمتين كافياتان بأن تصبح زوجة جميلة .
لكن شاعرة أخرى ارادت أن تزيد الطين بلة فنسمعها في البيت الشعري الآتي تعاتب أحدهم قائلة :
مايمي ثوحذ لخاريج ، مايمي رخذمث نش
موكا غارس أشواف ، ؤرا ثامغارث نش .
ـ ترجمة البيت الشعري :
ماقيمة ذهابك إلى أوربا ، و ما قيمة أتعابك هنالك
ريش البومة أطول من شعر زوجتك
في
الإزري تهجو الشاعرة احدهم وتذكره بمآل وقيمة عمله وتعبه في المهجـر ،
الذي يذهب سدى ، في الوقت الذي تزوج فيه زوجته تملك شعرا قصيرا معتبرة أن
ريش طائر البوم أطول منه .
علاوة على ذلك فشاعر آخر في البيت الشعري الموالي إستطاع أن يعلم بزواج فتاة إلا من خلال شعرها فنسمعه يقول:
موشواف أزيرار ، غاضاخر ذـ نعناع
سيخنتا ثامرش ، نشين عاذ نضمع .
ـ ترجمة البيت الشعري :
يا صاحبة الشعر المنعنع الطويل
لقد تبخرت آمالنا بالزواج بك
يتحدث
الشاعر هنا عن فتاة شبه جدائل شعرها الطويل بأغصان النعناع المخضرة و
العطرة ، بحيث نلاحظ أن الشعر في هذا الإيزري يستمد قوته الجمالية من أشياء
الطبيعة ، بهذه الخاصية إكتشف الشاعر بأنه لا أمل له في الإرتباط بها ،
لزواجها المبكر نتيجة طول شعرها.
دائما يزداد اهتمام وإكتراث الآخر/
الذكر بالشعر ، بإعتباره مستهدفا من طرف الأنثى . لكن هذه المرة جعل من
خصلاته مجالا للشعوذة و آثارا للحبيبة يوظفه في التمائم و الأحجبة للإيقاع
بها كوسيلة ثـأر متبادلة بين الطرفين وغالبا ما يكون في الأمر علاقة حب فاشلة بين الطرفين أو أحدهما ، فنسمع الشاعرة الأمازيغيـــة تقول متأثرة :
أيا شواف إنو ، إيتمايسين ذي رجبوب
أرفقي ن ـ تامزيذا ، أزايي ثاويذ دنوب .
ـ ترجمة البيت الشعري :
وا حسرتاه على شعري المحمول في الجيوب
يا فقيه المسجد ذنوبي عليك مكتوبة .
إنها تعبر في أسف وحسرة عن المآل التي آل إليها شعرها ليصبح بعد أن كان رمزا للجمال مادة للعب و السحر.
إن
محدودية الاهتمام " بأشياء الجسد " الأنثوي ، يعد في نظر المرأة تعامل
قاصر في حقها ، ولهذا أصبحت الأنثى الأمازيغية واعية بهذا الاهتمام الضيق و
الاستغلالي الذي لم يعد يتعدى اهتمامات أخرى وذات أهمية نبيلة ، كرد
الإعتبار لحقوقها التي تشرعها القوانين والتي يجب أن تتمتع بها إلى جانب
تقدير دورها الفعال وتثمين مجهودها داخل الأسرة و المجتمع ، وهذا ما جعل
الشاعرة الأمازيغية في البيت الشعري الآتي تعبر عنه بقولها :
أشواف أزيرار ، إفارضن ثيغارغاث
خسغ ويغايكن ، لداب إكذ ثمغارث .
ترجمة البيت الشعري :
ياصاحبة الشعر الطويل المكنس لأرض الكانونة
لايهمني ذلك بقدرما يهمني إحترام النسوان.
يحمل
الإيزري خطابا سلوكيا تدعو فيه الشاعرة الآخر إلى ضرورة إحترام المرأة ليس
فقط من زاوية أنوثتها فحسب ولكن أيضا من زاوية إنسانيتها بإعتبارها إنسان
يحس و يشعر ، وليست فقط مجالا للاشباع الغريزي أو التمتع الضيق بمكونات
جسدها.