بغداد الجديدة

بغداد الجديدة


طالما أخبرني أبي أنّ بغداد هي أجمل العواصم العربيّة وأنّ الإقامة فيها أشبه بالحلم...
الجوّ رماديّ، عاصفة رمليّة تجتاح البلاد. تهبط بنا الطائرة على أرض مطار بغداد وقلبي يهبط ويعلو بسرعة قصوى.
لكم بغدادكم ولي بغدادي...
بغدادكم
ذكرياتٌ عن ديكتاتورية واحتلال وإرهاب، بغدادي صورة عن وطن يعرف كيف يداوي
الجراح ويروي سهوله القاحلة ب"مطر" بدر شاكر السيّاب...
غبار كثير،
بيوت خجولة تتوارى خلفه... كثافة سيارات تضاهي زحمة بيروت، العراقيون
يهربون من بغداد، قعر البلاد أهنأ من ضجيج القمم. يتركون فعاليات القمة
العربية لأسيادها ويهاجرون شمالاً صوب كركوك وجنوبًا باتجاه البصرة.
الحدث
العربي يستدعي تدابير أمنية لم ترَ بغداد لها مثيلاً ربّما حتّى أيّام
الاحتلال الأميركي. وما أشبه اليوم بالأمس! لم تستطع المؤسسة العسكرية
العراقية أن تتخلّص من عادات الأميركيين وسلوكهم. عند حواجز التفتيش التي
لا تُحصى، تظنّ لوهلة أنّك في عراق الجنرال لويد أوستن... ورثوا عنهم
العتاد واللباس والسلاح و... الكلاب!
كلابٌ يمكنها أن تداهم غرفة نومك
في الفندق عند الثالثة فجرًا، طبعًا بتوجيه من مدرّبيها. فالهلع الأمني وصل
بالمسؤولين إلى حدّ إيقاظ الصحافيين من نومهم بحجّة التفتيش، كلّ ذلك
حرصًا على سلامة القادة العرب.
وإذا كان رجال الجيش قد ورثوا المظهر عن
محتلّيهم الأميركيين، فإنّ قوى الأمن والمخابرات لم تتمكّن من خلع البزّة "
الصدّاميّة ". بها حنين واضح إلى الرجل الفولاذيّ: الشارب ذاته، الملابس
نفسها _ وإن بطلت موضتها _ وفوق ذلك كلّه، المنطق الأمني المؤامراتي ذاته.
هي
بغداد، لكن ليست بغداد التي وصفها أبي ولا تلك التي نظمها السيّاب في
قصائده. بغداد متعبة... لم تلتئم بعد جراح الاحتلال والديكتاتورية، لكنّ
أهلها طيّبون والطيبة هي كلّ ما تبقّى في زمن القمم.

مبدع بقلمك