تقول ا
لدراسات
المستقبلية إنّه لا يمكن أن تكون هناك تنمية مستدامة من دون تعليم تقني
رفيع المستوى، وإعلام رصين، ونحن نعيش عصر فتحت فيه أبواب المعرفة على
مصاريعها، حتى أصبح لكل من لا يملك القدرة على التعلم أن يتعلّم، وزادت فيه
المعارف، حتّى أنّ العلماء أصبحوا غير قادرين على متابعة كل ما ينشر،
وبفرض توافر كل الظروف المناسبة للحصول على كل ما ينشر في القرن الحادي
والعشرين لن يكون هناك إنسان لا يتواءم مع الكم الهائل من المعلومات التي
تنهال من جميع الاتجاهات ـ وهي كالطوفان ـ سوف تواري تحت التراب كل من لا
يعرف السباحة في محيط عصرنا هذا. في رسالة جامعية تتحدث عن درجة الإفادة من
المعلومات ونقصها، حملت في دلالتها حقائق مفزعة لا يمكن التغاضي عنها. وهي
وإن اتخذت من الإعلاميين والصحفيين والكتاب في وطننا العربي موضوعاً لها
فإنّ دلالاتها أبعد من ذلك بكثير، إذ لا يمكن أن نتحدّث عن العلاقة بين
المعلومات لدى الإعلاميين أو الصحفيين مثلاً من دون أن يعني هذا أن نتحدث
عن المجتمع كلّه، ولا يمكن أن نتحدث عن دور مأمول لصحف من دون أن نربط ذلك
بالتطور العالمي الهائل في مجال المعلومات ووسائل البناء الأساسي
بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وتلك الدراسة تستمد خطورتها فيما تثيره
من أسئلة منها: هل يتم أي تطور مستقبلي في غيبة تكنولوجيا الاتصال
والمعلومات العربية؟ وهل يتم تحديث الصحافة والإعلام ونوعية الكُتاب من دون
أن يتوفر لهم مناخ الحرية والمعلوماتية..؟ هذه بعض الأسئلة التي حاولت
الدراسة أن تجد الإجابة عنها، وحيث إنّ الصحفي أو الإعلامي ـ على سبيل
المثال ـ يعاني من ضعف التأهيل المهني في النواحي الفنية المتخصصة في مجال
الإفادة من المعلومات، فإنّ هذا الضعف يعود إلى الصحفي أولاً، والمناخ الذي
يحيط به، كما أنّ الصحفي لا يجد الخبرة في مجال توفر المعلومات، فضلاً عن
أنّ أغلب هذه المعلومات غير متوفر أصلاً. إنّها حقائق مفزعة في الواقع
العربي. وتذكر الدراسة في هذا السياق أنّ 98 في المائة من الصحفيين والكتاب
لا يحصلون على معلومات جاهزة متوفرة لهم، كذلك فإنّ الكاتب العربي ـ وهي
حقيقة لا يجب إغفالها ـ يقضي ما بين 15 ـ 18 ساعة يومياً للحصول على
المعلومات أو الأخبار بكل الطرق والوسائل الممكنة وغير الممكنة أو المتوفرة
له، وهي في الغالب غير موجودة ولا متوفرة، الأكثر من هذا غرابة أنّ
الدراسة تشير إلى الكتاب الذين يسعون إلى المعلومة ولا يجدونها بالفعل بعد
البحث العميق إلا في مصدر واحد هو السفارات الأجنبية وبعثاتها الدبلوماسية
والمراكز الثقافية الأجنبية بالدولة، ومن يلجأ للسفارات الأجنبية بالدولة
ليس عدداً قليلاً، وإنّما هو عدد مخيف يصل في تقدير الدراسة إلى 90.6 في
المائة ومن ثم فإنّ معلومات المنبع الأجنبي تحول دون الوصول بالكاتب أو
الصحفي أو الإعلامي إلى الحقيقة الكاملة في أيّة قضية يعمل بها. يرتبط بهذا
أنّ الصحفي في حاجة إلى التدريب الفعال المستمر للتعرف على كيفية الإفادة
من مصادر المعلومات المتاحة وخدماتها وتحقيق الاستثمار الأمثل لتلك
الموارد، ويتأكد هذا أكثر حين يذكر أنّ أغلب المؤسسات الصحفية تعاني من
الاستفادة من تكنولوجيا وتقنيات المعلومات الحديثة، فهي لا توجد في الأصل
خاصة ونحن نعيش القرن الحادي والعشرين عالة على غيرنا في هذا المضمار،
ويمضي في هذا السياق أيضاً أنّنا لا نجد تعاوناً قط بين مؤسسة وأخرى في
مجال التعاون الإلكتروني أو الحصول على المعلومات بشكل يضيق الهوة بيننا
وبين غيرنا، إذاً كيف يمكن الخروج من هذه الأزمة؟ توجه الدراسة النقد إلى
أكثر من جهة، وتضع هذه السلبيات في شكل توصيات تحاول من خلالها البحث عن
حلول أو سياسات تعمل على توفير المعلومات، فتقترح العناصر التالية: تيسير
تدفق المعلومات بين المستويات المختلفة والمؤسسات والهيئات ومجموعة الأفراد
المشتغلين بالإعلام والصحافة أو المتأثرين بهم لكونهم مصادر معلومات أو
منتفعين بها. كذلك استخدام وسائل الاتصال الحديثة لإبلاغ المهتمين بالصحافة
والإعلام بالمعلومات التي يحتاجون إليها لتوفير المعلومات التي تعينهم في
شتى الأغراض الوظيفية، بالإضافة إلى هذا فإنّ أكثر ما تلاحظه الدراسة هو
افتقادنا إلى الموارد الببليوجرافية التي تيسر استخدام مصادر المعلومات
المتاحة، وهو ما يصل بنا إلى الدعوة لتوجيه خدمات المعلومات نحو الميادين
التي تساعد على تحقيق التنمية الشاملة للمجتمع العربي، أيضاً إنشاء قواعد
بيانات آلية تيسر للصحفيين والإعلاميين والكتاب الحصول على إجابات
لاستفساراتهم في شتى القضايا المعرفية. وتتساءل الدراسة: لماذا لم يتم
الاهتمام حتى الآن بالاستفادة من إمكانات شبكة المعلومات العنكبوتية
العالمية للمعلومات (الإنترنت) بشكل كامل، ومن المسئول عن هذا التقصير
المعيب؟ وتجيب الدراسة بأنّه لا يخلو الأمر من لوم الإعلام نفسه، فهو
المسئول ـ إلى حد بعيد ـ عن التعريف والتوعية بأهمية المعلومات ومصادرها
وخدماتها وكيفية الإفادة منها، فمن المؤسف حقاً أنّه في حين نجد لدى العالم
المتقدم وحدات لتحليل المعلومات بهدف تحقيق الاستغلال الأمثل لها، فإنّ
مثل هذه الوحدات ليست موجودة لدينا في أغلب المؤسسات والقطاعات، فلا يصل
للإعلامي أو الصحفي أو الكاتب أيّة معلومة مهمة من العالم حولنا بالطرق
التقليدية لها، أي لا يعرف كيفية سير المعلومة قبل أن تأتي إليه،
وبالتبعية، فهو لا يعرف قيمة هذه المعلومة في وقت يكون في أشد الحاجة
إليها... باختصار إنّ التدفق المعلوماتي لدينا يعاني انقطاعاً سواء على
مستوى الإعلامي أو الكاتب أو الصحفي أو المؤسسة، وهو ما يدق بعنف أجراس
الخطر على ما نحن فيه، بخاصة ونحن نعيش الألفية الثالثة للميلاد. من ناحية
أخرى، فإنّ نفس الحال ينطبق على صانع القرار في بلادنا، فالذي لا يملك
قاعدة بيانات في جميع فروع العلم سيفشل في إدارة دفة التقدم في مجاله، فلا
يمكن لصانع قرار في مجال تخطيط المدن مثلاً أن يغفل العوامل البيئية عند
وضع التخطيط العمراني لمدينة، ولا يمكن أن يغفل حتى تأثير المناخ على نجاح
هذا التخطيط، ولا يمكن أن يغفل الحاجات الأساسية التي يجب إشباعها لسكان
هذه المدينة حالياً ومستقبلاً، ولا يمكن أن يغفل النفايات المنزلية السائلة
والصلبة، ولا يمكن أن يغفل احتمال حدوث كوارث، ولابد أن يخطط لها...
وهكذا، ولكي يكون مؤهلاً للنجاح في عمله يجب أن ينهل من العلم في جميع
الاتجاهات، ولكن للأسف لا يتوفر له الوقت ولا المعلومة لبناء هذه القاعدة
فنفاجأ بكوارث قد يكون سببها غياب أحد المبادئ الأساسية في علم التخطيط
العمراني. نفس الشيء لصانع القرار في المجال الصحي، لا يمكن أن يغفل دور
حشرة صغيرة لا يعيرها أي إنسان أدنى اهتمام، ورغم ذلك فهي تنقل 42 مرضاً
للإنسان العربي، وتكلف الدول العربية مليارات الدولارات، رغم أنّ حلّها ليس
في يد صانع القرار الصحي، وإنّما حلّها في يد المحليات المسئولة عن جمع
ونقل والتخلص من القمامة، وحلّها كذلك في يد الإعلام نفسه، وبالتالي في يد
المواطن العادي، فكثيراً ما أجريت برامج علاجية ناجحة بجميع المقاييس، لكن
يتناسى فيها صانع القرار الصحي ـ لغياب قاعدة المعلومات ـ مشكلة الذبابة
المنزلية التي علّمتنا دروس الماضي أنّها تسبّبت في نقل كثير من الأمراض
الوبائية، وحصدت ملايين من رؤؤس البشر، وتسبّبت في أضرار اقتصادية غير
منظورة تفوق طاقة الدول والبشر. ولا يمكن لصانعي القرار في كلا الجانبين
إلا ضرورة التواؤم مع مقتضيات القرن الحادي والعشرين ولا يتم ذلك إلاّ
بتكنولوجيا عالية توفر لهم المعلومة التي يحتاجونها في ثوان، والسر في نجاح
أي عالم عربي في الخارج واحتلاله مكانة مرموقة في الدول الأجنبية هو حصوله
على المعلومة التي يريدها في ثوان، بينما في وطننا العربي الكبير قد يحتاج
الأمر إلى أيام أو أشهر أو حتى سنين حيث تتوفر نفس المعلومة في ثلاث صور
كل منها مختلفة عن الأخرى وقد يحتار صانع القرار في صحة كل منها. في عصر
ثورة المعلومات والاتصالات يمكن لصانع القرار الاحتفاظ بآلاف الكتب المرئية
أو الالكترونية على مكتبه في جميع المجالات والتخصصات ويستدعي المعلومة في
ثوان دون الحاجة إلى سكرتارية أو موظفين لاستدعاء المعلومة واتخاذ قرار
سريع فيها، فربما التأخير ثوان في اتخاذ قرار يكون سبباًَ في خسارة
اقتصادية تقدّر بملايين الدولارات، بخاصة وأنّ هناك قرارات تنجح فقط بسبب
توفر المعلومة لاتخاذ قرار سليم. وقد اقتنعت المؤسسات التجارية والاقتصادية
في جميع أنحاء العام بضرورة تدريب موظفيها، حتى أنّ الوزراء ووكلاء
الوزارات والمناصب العليا في الدول كان يتم تدريبهم من أجل توفير المعلومات
الحديثة لهم، فلا يمكن لصانع قرار تخرج عام 1970 أن يدير مؤسسة عام 2011
بمعلوماته التي درسها في عام 1970، ولذا جاءت الكتب المرئية في جميع
المؤسسات، لتقدم كافة الطرق العلمية لتوصيل المعلومة إلى صانع القرار من
دون إحراجه بالدخول في دورة تدريبية، ومن دون تحمله لعبء الدراسة خمسة عشر
يوماً، فلقد أثبتت دروس الماضي عدم جدوى ذلك حيث يقوم في الغالب بالتدريس
فيها متخصصون ليسوا على علم كاف بمشاكل صانع القرار ومؤسسته. وقد اكتفت
الدول المتقدمة بتأليف كتب لكل تخصص من التخصصات، يقوم صانع القرار
بدراستها في وقت فراغه بطريقة شيقة وبكل وسائل توصيل المعلومات للبشر،
والعصر الذي نعيشه بثورته المعلوماتية يتيح لصانع القرار احتفاظه بالمعلومة
الصحيحة كما يتيح له تحديثها في ثوان، ويتيح له حذف ما هو غير صحيح من دون
الالتجاء إلى الوسائل الروتينية طويلة الأمد، وهناك ملايين الكتب التي
تتواجد في المكتبات لا تجد من يفتحها، وبسبب انشغال المهتمين بها في مشاكل
إدارية أو اقتصادية أو عائلية سوف تبقى هذه الكتب قابعة ينساها كل من كان
يتمنى أن يقرأها، الآن مع ثورة النشر الإلكتروني لن تتواجد كتب يزيد عدد
صفحاتها عن 600 صفحة وثمنها ضعف أجر عالم في شهر، فكثير من العلماء لا
يستطيعون أن يشتروا مثل هذه الكتب التي أصبحت أسعارها تفوق قدرات أي عالم
أو متخصص في الوطن العربي. إنّ كتب القرن الحادي والعشرين، أي الكتب
المرئية، سوف تخفي ملايين الكتب من المكتبات وتحل محلّها كتب يبلغ عدد
صفحات الواحد منها أكثر من عشرة آلاف صفحة ووزنه عدد قليل من الجرامات
وحجمه عدة سنتيمترات مكعبة، فالكتاب المرئي أو الإلكتروني كفيل بأن يقدم
لقارئه المعلومة أن في الصورة المرئية والمسموعة والمقروءة، ويمكن لقارئه
أن يُحدّث أي معلومة فيه من خلال ثوان ليتمشى مع مقتضيات العصر، حيث يمضي
الزمن كالرياح إن لم تصمد أمامه اقتلعك، كما يمكن لعدّة آلاف من البشر
قراءة الكتاب المرئي أو الإلكتروني جماعياً في وقت واحد وفي مكان واحد أو
عدّة أماكن أو عدّة دول في نفس الوقت.
إنّ الكتاب المرئي وسيلة مهمة لحل
كل مشاكل التعليم حيث يعاني المدرسون من كثرة أعداد الطلاب في الفصل
الواحد، مما يتيح لعضو هيئة التدريس أن يقوم بواجبه الأكمل تجاه طلبته
وتلاميذه، ويتيح الكتاب المرئي لكل الطلاب أن ينهلوا من المحاضرة من دون
ملل أو كلل أو سأم، فالتدريس يتم بطريقة شيقة ويشارك في المحاضرة كل الطلاب
من خلال سلسلة من الأسئلة والإجابات النموذجية، فالكتاب المرئي هو كتاب
محمل بلغة العصر ويفتح كأي كتاب، لكنه ليس مطبوعاً على ورق، ويتم فتحه
بطريقة مبسطة فتظهر على الشاشة محتويات كل جزء من الكتاب على جانب الشاشة
وما عليك إلاّ أن تطلب ما تراه من موضوعات مهما بلغ حجم الكتاب، فأهم ما
يميز الكتاب المرئي هو صغر حجمه وسعته التي قد تصل إلى سعة الموسوعات، فعلى
سبيل المثال تحتوي موسوعة المخزون الوراثي في العالم العربي على نحو 12000
صفحة، ولكن يمكن حملها في الجيب ويمكن البحث عن أي موضوع أو صفحة أو كلمة
في هذا الكم الهائل في ثوان معدودات، كما أنّه بسيط التصميم للغاية ويمكن
لمستخدمه أن يقلب صفحاته صفحة صفحة. ويمتاز الكتاب المرئي أيضاً بإمكانية
عرضه على أعداد كبيرة من القراء في وقت واحد وعلى شاشات تصل إلى 70 بوصة في
حجمها، كما يمكن لأي طالب عمل نسخ مطبوعة من الكتاب في ثوان معدودات،
ويمكن لأي مستخدم للكتاب إضافة أو حذف أي جزء لا يحتاج إليه، ولا يحتاج إلى
أداة طبع أو إلى كتابة مسودة ولا إلى طباعة ومراجعة وتصحيح أخطاء مطبعية
وتكاليف باهظة، كما يمتاز الكتاب المرئي عن الكتاب الإلكتروني بأنّه من
السهل أن ترى الصور أو الرسومات متحركة بل ومتكلمة وتحدث أصوتاً وتتجاوب مع
القارئ فيستجيب لهذا النوع من الكتب التي استخدمت فيها كل وسائل التعليم
المرئية والمسموعة والمقروءة بما يسمى الوسائط المتعددة، وفي هذا الكتاب لا
تفتح الصفحات بل تطلب من الكتاب أي موضوع تريد قراءته في التو واللحظة،
ويسألك الكتاب إن كنت تريد مزيداً من المعلومات حتى يمكنك الوصول إلى ما
تريد، كل هذا يتم في ثوان معدودة، إنّ هذه الكتب تحل أحد المشاكل الخطيرة
التي ابتليت بها الجامعات وهي زيادة عدد الطلاب والنقص الشديد في الإمكانات
المختبرية من أجهزة وعينات، فمن الأسف الشديد أنّه قد يتخرج أحد طلاب قسم
الكمياء بكلية العلوم أو الهندسة مثلاً من دون أن يمارس التحليل على أحد
الأجهزة التي تستخدم في التحليل الكيماوي، فعلى الأقل عن طريق الكتاب
المرئي يمكن للطالب أن يرى هذه الأجهزة ويعرف كيفية استخدامها أو المشاكل
الناجمة عند تشغيلها حتى لا يفاجأ بأنّه مطلوب منه العمل في شركة أو وظيفة
على هذا الجهاز، فالكتب المرئية والإلكترونية على السواء تحل مشاكل كثيرة
في مجال توصيل المعلومة حتى لرجل الشارع الأمي فيمكن استخدامها بنجاح لعلاج
محو الأمية للكبار والصغار على حد سواء وفي نفس الوقت محو الأمية الثقافية
للمتعلمين من الإعلاميين أو الصحفيين أو الكتاب. يقول علماء الاقتصاد: ''
إنّ سبب تخلف بعض الدول في العالم الثالث لا علاقة له بضعف مواردها
الطبيعية، وإنّما تكمن المشكلة الأساسية في ضعف الموارد الإنسانية أو
البشرية، فحيثما وجدت الأمية كان الجهل والفقر والمرض، ولن تتخلص الشعوب من
براثن التخلف ما لم تأخذ بأسباب التعليم والتقدم، بخاصة في هذا العصر الذي
هو عصر العلم، وعصر الاكتشافات العلمية، فالعلم هو معيار التقدم لأي شعب
من الشعوب، ونعني التقدم المادي والتقني، فما بلغت الدول الغربية مرحلة
الريادة إلا بالعلم والعلماء، لذا فقد شهدت نهضة اتصالاتية كبيرة، وإذا
أرادت أمتنا العربية أن يكون لها حظ من النهضة فعليها أن تبدأ بتنمية
مواردها البشرية، بأن تستهدف إعادة بناء الإنسان بتوفير أقصى درجات الرعاية
لمواهبه وقدراته واستعداداته، وإفساح المجال أمامه للخلق والإبداع والنفع
دون الضرر، والبناء دون الهدم، والسلام دون الحرب، فبتنمية الموارد البشرية
ينمو المجتمع في مختلف قطاعاته، ولن ينمو المجتمع إلاّ بالتعليم والإعلام،
فالتعليم هو النشاط الرئيس في بناء الموارد البشرية، والإعلام هو الوجه
التعليمي الآخر المكمل لعملية البناء والتعبئة. هذه المهمة الكبيرة
والخطيرة تتطلب وجود كوادر إعلامية على درجة عالية من الوعي والإدراك
والثقافة ومواكبة تطورات العصر التقنية في مجال الاتصالات والمعلومات،
ومدربة تدريباً شاملا على التعامل مع وسائل الإعلام الحديثة، وقادرة على
تقديم رسالتها الإعلامية في إطار جذاب، فالإعلام مرآة الشعوب، بها يتميز
ومن خلالها يميز، فقوة الإعلام قوة الأمة، وضعفه يعكس ضعفها، وما انتشرت
ثقافة أمة في عصرنا الحاضر ولا قيمها إلا بقوة إعلامها، وإرادة إعلامييها
وسعة أفقهم، وما تراجعت ثقافة وانزاحت إلى الهامش، إلا بضعف وسائلها
الإعلامية وضحالة إعلامييها وفتور همتهم. فالإعلام الناجح هو الذي يجد
لنفسه مساحة ـ وإن كانت ضئيلة ـ في أوقات الناس والشعوب، ويستقطب تجاوب بعض
الشرائح وتفاعلها، وقد يبدو الأمر صعباً في عصرنا الحالي الذي تتدفق فيه
المعلومات بصورة مذهلة عبر وسائل تطورت تطوراً إعجازياًً تحوّل معه العالم
برمته إلى '' قرية إلكترونية '' كما يصفه علماء الاتصال، ويصبح الأمر أكثر
صعوبة في ظل التنافس الحاد بين الدول المتقدمة بمؤسساتها الإعلامية الضخمة
ذات الإمكانات المادية والبشرية الهائلة. ويمكننا بسهولة أن نصف الإعلام
العربي بأنّه إعلام مشبع بالولاءات وكسب الرضا والتبعية، إذ إنّه بدلاً عن
أن يفجر طاقات المواطن قعد بها، وأدخل المواطن نفسه في دوامة عدم الثقة
بنفسه وبقدراته على العطاء والإبداع. ولكي يصبح هذا الإعلام قادراً على
تحمل مسؤوليته لابد أن يسهم مفكرونا وعلماؤنا وإعلاميونا في رسم منهج له،
ووضع استراتيجية علمية تؤهله أولاً للصمود أمام الهجمات الإعلامية الوافدة،
فالإعلام في العصر الحاضر أصبح أداة خطيرة بقدر ما هو ضرورة حيوية ومفيدة
للحياة العصرية، حيث يمكن بواسطة ما يمتلكه الإعلام من وسائل تقنية متطورة
ربط المواطن بالأخبار والأحداث والمعلومات من أماكن وقوعها في أي ركن من
أركان الأرض إلى ركن آخر بسرعة مذهلة وفي وقت يقاس بأجزاء من الثانية مما
يجعل الإعلام ذو تأثير واسع المدى وذو قوة وفاعلية ودور يؤديه في صناعة
الأحداث وتوجيهها في عالمنا المعاصر.