نجوى الحساني التائب
لا يملكُ الإنسان إلا أن يقف وقفة تقدير وإجلال لنجمة متألقة .. لمعت
في سماء الغناء الملتزم وهي صبية لا يتجاوزُ عُمرها 16 ربيعاً، حباها الله
صوتاً عذباً ً.. عبرت وأوصلت به أحاسيس صادقة.. وأبحرت في أعماق المجتمع
المغربي ..واهتمت بالإنسان والإنسانية، ودافعت عن الكرامة والحُرية، في زمن
الرصاص.. تسلحت بالإيمان القوي والرسالة النبيلة من أجل إسعاد البشرية..
وأنشدت أروع الألحان ذات الإحساس الصادق .. واختارت المواضيع الحساسة بجرأة
وكبرياء .. واستنكرت كل وسائل القمع .. ودافعت عن حُرية التعبير في
التسعينيات.
وا
سعيدة فكريستحقت
بكل جدارة أن تتربع على عرش قلوب الملايين من محبي الغناء الملتزم
الحُر..من جميع شرائح المجتمع المغربي، والعربي، اختارت لنفسها طريق الفن
الملتزم الصعب بعيداً عن النجومية والأضواء كان همها الشاغل المواطن العربي
الحُر .. هاجرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية بجسدها فقط وتركت في وطنها
الأم عقلها وروحها وقلبها النابض.. لا تعترف بالحدود ولا بالصراعات
السياسية، مستعملة الغناء الملتزم لنشر ثقافة السلام والتعايش والتسامح..
هي الآن سفيرة فوق العادة للإنسان الحُر المُدافع عن الكرامة والأمن
الاجتماعي.. تُدافع عن وطنها وتقوم بتلميع صورة وطنها العربي، بالديار
الأمريكية والعالم بإمكانياتها الذاتية، إنها الفنانة المغربية الملتزمة
والمتألقة بإبداعاتها الخالدة في الغناء الملتزم العربي، سعيدة فكري
الفخورة بانتمائها للمغرب بكل ثقافته المتعددة، وحبه للحرية، حتى انهم سموا
أنفسهم مند القدم " الأمازيغ" أي الأحرار، وهذه الحرية المتأصلة في أعماق
النفس المغربية،قد خلقت فيها غرائز وطبائع هي الأنفة ،والشهامة،
والإقدام،والتضحية في سبيل الحياة الحرة الشريفة فوق أرض حرة منيعة تهون في
سبيلها كل التضحيات..
إن كل هذه العوامل أعطت للفنانة الملتزمة
سعيدة فكري شخصية قوية متمسكة بالرسالة الربانية الصوفية، ولم يكن من باب
المصادفة حين كرمتها فعاليات من المجتمع المدني بجهة طنجة وتطوان، هذا أقل
ما يمكن أن نقدمه لهذه الفراشة الحرة صاحبة الرسالة الفنية الراقية
والملتزمة، سعيدة فكري فضلت مدينة تطوان الحمامة البيضاء وشفشاون قلعة
الجهاد والنضال من أجل الحرية والكرامة، أرض الزهاد والأصفياء والعباد
والصالحين، وبحكم تفرد شفشاون في الموقع والحضارة الأندلسية العريقةّ،
وبحُكم تنوع جذورها العريقة وأصولها الثقافية كانت وما تزال معلمة خالدة
يحج إليها الوافدون من كل مكان وشعلة مضيئةّ، قصدتها الفنانة سعيدة فكري
مصحوبة بالمخرجة الشابة الأمريكية " جين " للإفادة والأخذ والعطاء، وإغناء
الفكر والحضارة الإنسانيتين. شفشاون الأرض التي يُعانق فيها الإنسان
الذكريات ويتنسم فيها الثرى، ويسأل عن معاني الوجودّ، فتتحرك في هواجس
فؤاده الأشجان، فيحن إلى أزمان غابرة ما تزال خالدة في عمر الشباب توقظ
أحلامهم وتبعث في ذاكرتهم وميضا ينشر فيهم روح العزيمة والأمل لمعانقة
الحاضر والمستقبل،. جاءت هذه المرة لتصور بعض المشاهد للكليب الجديد الذي
يضم أروع الأغاني ذات الإحساس الصادق والأمانة في التبليغ، وبجرأة قوية،
تحكي فيها الواقع الحالي الذي يعيشه الوطن العربي وتهتم بجميع شرائح
المجتمع العربي من أجل الكرامة والدفاع عن الحرية ضد الفساد والمفسدين.
تأثرت الفنانة سعيدة وهي تتجول بمدينة شفشاون، هذه المدينة الصغيرة
المناضلة أرض المجاهدين، ويوجد فيها قبر السيدة الحرة التي حكمت تطوان وهي
تتحاور مع الصغير والكبير والمرأة والرجل وتتساءل عن أحوالهم حتى سقطت
الدموع من عينيها،إنها إنسانة رقيقة الإحساس وصادقة في رسالتها
السامية.أعجبت الفنانة سعيدة بأناس انعزلوا بين الجبال وحافظوا على أزيائهم
الناصعة البياض وتقاليدهم الموروثة عن الأجداد القادمين من الأندلس.
تجولت
برأس الماء، وصورت إبداعاتها الجديدة بأحيائها وبجانب منازلها المتواضعة
البيضاء ولون السماء، تأثرت بأناس يعيشون في بيوت بين الجبال كأنها أجرام
صغيرة لامعة سقطت من السماء. وفي قمم الجبال أو سفوحها أو على الهضاب يتحرك
أناس بسحناتهم البيضاء المائلة إلى الشقرة، أو هي الشقرة بعينها.. إنهم
ورثة التاريخ الأندلسي الذين ظلوا على حالهم وطبيعتهم منذ أزيد من 500 عام،
وربما أكثر.
وما زالت الفنانة سعيد فكري تزور عدة مدن مغربية حتى تصل الى الصحراء،
لنقل الحقيقة عن المغرب والمغاربة أنها رسالة نبيلة لمواطنة مسؤولة ..